في بحث جديد نشرته مجلة “نيتشر Nature” ضمن سلسلة “التقارير العلمية”، توصل باحثون مغاربة، بالتعاون مع فريق بحث من الإمارات والسعودية وأمريكا، إلى الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي للتعلم العميق (Deep learning) بهدف “رسم خريطة تلوث المياه الجوفية بالنترات في شمال غرب المغرب”، في دراسة مغربية رائدة لتعزيز إدارة الموارد المائية تُعزز فهم “تلوث المياه الجوفية بالنترات” في الفرشة المائية الساحلية بالعرائش.
تهدف هذه الدراسة إلى فهم تلوث المياه الجوفية بالنترات ( -NO₃) في الفرشة المائية الساحلية “الرمل” الواقعة شمال غرب المغرب، وهي منطقة تتأثر بشكل كبير بالأنشطة الزراعية واستخدام الأسمدة الكيميائية.
ولتحليل هذه الظاهرة، استخدم الباحثون نماذج من الذكاء الاصطناعي والتعلّم العميق لتوقّع تراكيز النترات في المياه الجوفية، اعتمادا على مجموعة من المؤشرات البيئية مثل الغطاء النباتي ( Indice de Végétation Normalisé) ، الناقلية الكهربائية ( Conductivité Électrique) ، “الكلوريد” ( Chlorures)، المادة العضوية ( Matière Organique) القولونيات البرازية ( Coliformes Fécaux).
أظهرت النتائج أن “نموذج TabNet” كان الأكثر دقة وكفاءة، حيث بلغت نسبة نجاحه حوالي 82 في المائة، متفوقا على نموذج MLP-ANN (Réseau de Neurones Multicouches).
كما أوضح التحليل البحثي، الذي طالعت جريدة هسبريس نسخته الكاملة، أن “القولونيات البرازية والناقلية الكهربائية هما أكثر العوامل تأثيرا في ارتفاع تراكيز النترات؛ مما يؤشر إلى أن “الري بمياه ملوّثة واستعمال الأسمدة المكثف هما السبب الرئيسي في تدهور جودة المياه الجوفية”.
وضمن النتائج أظهرت الخرائط المتحصل عليها من النماذج أن المناطق الغابوية في الشمال (Zones forestières) تحتوي على مياه أنظف، بينما تسجّل المناطق الزراعية (Zones agricoles) في الوسط والجنوب الشرقي أعلى نسب تلوث، نتيجة الزراعة المكثفة وسوء إدارة وتدبير مياه الري”.
ومن بين أبرز ما لفتت إليه هذه الدراسة هو أن استخدام الذكاء الاصطناعي (Intelligence Artificielle) يمثل “أداة قوية لمراقبة وتحليل جودة المياه الجوفية والتنبؤ بتطور تلوثها؛ ما يساعد صُنّاع القرار على تحديد المناطق الأكثر عرضة للخطر واتخاذ إجراءات فعّالة لحمايتها”، حسب ما أبرزه أحد المشرفين على البحث، الأستاذ مراد أقنوي، من كلية العلوم والتقنيات بالرشيدية، في حديثه لهسبريس.
ووفق المعطيات المتوفرة للجريدة، فإن هذا العمل، المنشور بتاريخ 7 أكتوبر الجاري، يعد “ثمرة تعاون علمي” بين مختبرات ومؤسسات مغربية ودولية؛ من بينها جامعة عبد المالك السعدي بتطوان والمركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية بالرباط والمعهد العلمي بجامعة محمد الخامس والجامعة الأمريكية بالشارقة (الإمارات) وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن (السعودية) وجامعة ولاية ميسيسيبي (الولايات المتحدة الأمريكية) وفريق أبحاث الجيونظم والتقنيات بجامعة مولاي إسماعيل.
يشار إلى إنجاز هذا العمل يندرج ضمن إطار إعداد أطروحة الدكتوراه للطالب الباحث مراد شهيد، تحت إشراف الأستاذ جمال الدين ستيتو المساري من كلية العلوم بتطوان جامعة عبد المالك السعدي، وبإشراف مشترك من الدكتور إسماعيل هلال من المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية بالرباط، والأستاذ مراد أقنوي من كلية العلوم والتقنيات بالرشيدية التابعة لجامعة المولى إسماعيل.
وتؤكد هذه الدراسة، وفق منجزيها، أن “توظيف التقنيات الذكية الحديثة يمكن أن يسهم بفعالية في حماية الموارد المائية من التلوث ودعم القرارات البيئية المستدامة، بما يضمن تنمية متوازنة تراعي الإنسان والطبيعة معا”.
وخلُص الباحثون إلى اقتراحهم “دمج بيانات إضافية في المستقبل”؛ مثل البيانات المناخية (Données Climatiques)، الزراعية (Données Agricoles)، والتحاليل النظيرية (Analyses Isotopiques)، لتعزيز دقة النماذج وتحسين فهم مصادر النيتروجين (Azote) وآليات انتقاله داخل النظام المائي، وبالتالي المساهمة في إدارة مستدامة للمياه الجوفية في المناطق الساحلية الحساسة.
0 تعليق