تناولت دراسة صادرة، حديثا، ضمن العدد الأخير من مجلة “ليكسوس” التاريخية الإلكترونية شبكةَ الأسواق الأسبوعية ووظيفتها في التأطير المجالي بالأطلس الكبير الغربي الأطلسي، مبرزة أن هذه الأسواق تُعد من “الركائز التاريخية التي ساهمت في نشأة المدن وتبلور المراكز الحضرية عبر العصور”.
وأوضحت الدراسة ذاتها أن “الأسواق الأسبوعية تُعد أيضا شاهدا على التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب عبر مراحل معينة من تاريخه، فقد كانت قبل فترة الحماية تخضع للسيطرة الكاملة والسلطة المطلقة لمؤسسة القبيلة؛ مما يعكس هيمنة النظام الاجتماعي التقليدي آنذاك”.
وأشارت إلى أن “مرحلة الحماية شهدت تغييرات في هيكل الأسواق التنظيمي، حيث أدت السياسات الاستعمارية إلى إدخال أنظمة جديدة في إدارة الأسواق؛ مما أثّر بشكل واضح على أدوار القبيلة. ومع ذلك، استمرت القبائل في ممارسة بعض النفوذ على هذه الأسواق؛ ولكن بشكل أقل مما كانت عليه في السابق”.
وتابعت الوثيقة سالفة الذكر: “مرحلة الاستقلال شكّلت نقطة تحوّل جذرية في طريقة اشتغال الأسواق الأسبوعية، وشهدت تحولات عميقة تعكس التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرّت بها البلاد، حيث اعتمد المغرب نظاما جديدا للحكامة الترابية، وجعل من الجماعات الترابية وسيلة لتدبير مختلف المرافق الحيوية”، مبرزة أن “هذه التغيّرات لم تكن مجرد إعادة هيكلة؛ بل كانت تعبيرا عن رؤية جديدة للدولة تهدف من خلالها إلى تفكيك لحمة القبيلة والحدّ من هيمنتها التقليدية”.
وذكرت الدراسة أن “الأسواق الأسبوعية شكّلت أهم حلقة لتنظيم التجارة بالجماعات القروية والمراكز الناشئة؛ غير أنها بدأت تفقد أهميتها وإشعاعها مع مرور الوقت، نتيجة تعدّد المحلات التجارية والدكاكين بالمراكز والدواوير على حد سواء، مما ساهم في فكّ الارتباط بالتبضّع من الأسواق الأسبوعية”.
وأشارت إلى اختلاف فئات الأسواق الأسبوعية بالأطلس الكبير الغربي وأشكال تأطيرها للمجالات القروية وفقا لاعتبارات متعددة، إذ “يمكن تصنيفها إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى أسواق عريقة يعود تاريخ تأسيسها إلى ما قبل فترة الحماية، مثل سوق خميس إيموزار، وسوق سبت تدرارت، وسوق تمنار، وسوق سميسو، وجمعة آيت داود، وتتميّز هذه الأسواق بعمقها التاريخي وجاذبيتها العالية”. أما الفئة الثانية، فتضم “أسواقا ظهرت مع بداية الاستقلال كأربعاء أسكا، وسوق خميس تامري، وأربعاء تيقي، وأحد إيمسكر، واثنين أقصري، وسبت أوركا”. وتضم الفئة الثالثة والأخيرة “أسواقا حديثة كأربعاء أورير، واثنين أنسيس، واثنين إيمي نتليت، وخميس تيدزي”، إذ تعاني معظم هذه الأسواق من ضعف واضح في القوة الاستقطابية، وبعضها توقّف نهائيا عن النشاط.
ولفتت الوثيقة عينها إلى أن “كل سوق أسبوعي له طابعه الخاص الذي يميّزه عن باقي الأسواق الأخرى، ويبقى عامل الرواج الاقتصادي أبرز هذه المميزات، لا سيما أن معظم المراكز القروية الصغيرة تعرف ركودا اقتصاديا طيلة أيام الأسبوع، وتُعد مناسبة انعقاد هذه الأسواق فرصة مثالية لتسويق المنتجات المحلية وجذب الزوار؛ مما يسهم في تعزيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية بمراكز هذه الجماعات القروية والمراكز الناشئة”.
وذكرت الدراسة أن “منظومة الأسواق الأسبوعية تعرف تحديات عديدة؛ أبرزها ضعف البنية التحتية، حيث تعاني بعض الأسواق من نقص التجهيزات الأساسية مثل المرافق الصحية وأماكن التخزين، بالإضافة إلى تدهور الشبكة الطرقية ووسائل النقل، مما يؤثر سلبا على قدرتها على استقطاب الزبائن وتحقيق التنمية المنشودة”.
وخلصت هذه الدراسة الصادرة ضمن مواد العدد الأخير من المجلة الإلكترونية المتخصصة في التاريخ “ليكسوس” إلى أن “الأسواق الأسبوعية بالأطلس الكبير الغربي تُشكّل جزءا لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي والاجتماعي لهذه المنطقة. ومع ذلك، فإن تحسين البنية التحتية وتعزيز القدرة التنافسية لهذه الأسواق وفهم تباين النفوذ والاستقطاب هي خطوات ضرورية لضمان استمرار هذه الأسواق في تنمية المجالات القروية وإنعاش الاقتصاد المحلي وتعزيز دورها في هيكلة وتنظيم المجال”.
0 تعليق