البوليساريو تأمل "تقاسم فاتورة السلام" .. براغماتية أم مناورة إضافية؟ - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في خطوة اختلفت قراءات المحللين حول دلالاتها، وعلى بعد أيام قليلة من قرار مجلس الأمن المرتقب حول الوضع في الصحراء، أعلنت جبهة البوليساريو عن تقديم مقترح للأمين العام للأمم المتحدة يهدف إلى “تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير من خلال استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي”، بتعبير بيان صادر عن الجبهة.

كما عبرت الجبهة الانفصالية عن استعدادها لما أسمته “تقاسم فاتورة السلام” مع المغرب، و”الدخول في مفاوضات مباشرة وجادة مع المملكة المغربية بحسن نية ودون شروط مسبقة، تحت رعاية الأمم المتحدة، على أساس روح ومضمون المقترح الموسع”.

تأتي هذه الخطوة التي أقدمت عليها البوليساريو في سياق دولي مفصلي يتسم بتراجع أطروحتها الانفصالية في عدد من الفضاءات الجغرافية، إثر توجه العديد من القوى الإقليمية والدولية نحو دعم تسوية النزاع في الصحراء على أساس مقترح الحكم الذاتي واستبعاد ما دونه من الحلول، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، ومؤخرًا روسيا التي أعطت هي الأخرى إشارات إيجابية على هذا المستوى.

كما يأتي مقترح البوليساريو في ظل ضغوط كبيرة تواجهها حليفتها الجزائري من طرف الإدارة الأمريكية من أجل تبني نهج عملي وواقعي لحل هذا النزاع بعيدًا عن المواقف الجامدة، إلى جانب إنهاء التوتر مع المغرب، وهو ما كشف عنه ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي، الذي أكد أن واشنطن تعمل على اتفاق سلام بين الجزائر والرباط سيخرج إلى حيز الوجود خلال الأسابيع المقبلة.

وأثار توقيت وسياق تقديم هذا المقترح اختلافا في القراءات من جانب محللين سياسيين مهتمين بقضية الصحراء المغربية، بين من يرى في هذا التحرك انعكاسا لانصياع الجزائر والبوليساريو للغة الواقعية والبراغماتية ومحاولة لاستيعاب التحولات الإقليمية والدولية الجديدة، ومن يعتبر أن محاولة إقحام الاتحاد الإفريقي في مسار التسوية تعبيرٌ عن عدم الرغبة في أي حل فعلي من جانب الجزائر والبوليساريو، وأن المقترح لا يتجاوز كونه مناورة تهدف إلى الحفاظ على موقع الجبهة الانفصالية وإطالة أمد هذا الصراع الإقليمي.

موقف براغماتي

سعيد بركنان، محلل سياسي، قال إن “المعطيات الجديدة على المستوى الإقليمي المرتبطة بملف الصحراء المغربية، التي أفرزها تفاعل الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، هي الإطار الجديد الذي بدأت تتشكل فيه المواقف المرنة وخروجها من المواقف الجامدة تجاه هذا الملف خاصة”، مشيرا إلى انزياح الموقف الروسي نحو الحل النهائي لهذا النزاع المفتعل حول الصحراء على أسس واقعية، وقبله مواقف واشنطن وباريس ولندن وعواصم أخرى، الداعمة لمخطط الحكم الذاتي.

ولفت بركنان إلى “تصريح ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، في حواره الأخير مع قناة أمريكية بشأن صياغة مخطط للسلام بين الجزائر والمغرب، ثم العزلة الجغرافية والانكماش الدبلوماسي اللذين أصبحت تعيشهما الجزائر جراء تعنت القيادات العسكرية في تبني معيارية الاعتراف بجبهة البوليساريو كأساس لتوطيد علاقاتها الخارجية، مما أدى إلى تراجع قوة علاقاتها مع إسبانيا وفرنسا، بل وحتى روسيا”.

وشدد المصرح لهسبريس على أن “التركيب المنطقي لكل هذه المعطيات، مع الزيارات الأخيرة التي توافدت على الجزائر من مبعوثين أمريكيين لتوضيح المعطيات الأمنية الإقليمية والظروف الأمنية الواجب توفيرها لتنزيل الحكم الذاتي الذي حسم من الناحية السياسية كحل عادل وسلمي للنزاع، أجبر الجزائر على محاولة تبني مواقف أكثر براغماتية، وتركها تتبنى منطلق المصلحة الخاصة والبحث عن موطئ قدم في الخريطة الأمنية الجديدة للمنطقة الإقليمية”.

وتابع: “في هذا السياق المليء بهذه المتغيرات السريعة والأحداث المتدفقة، جاء هذا البيان الصادر عن جبهة البوليساريو ليؤكد التوجه البراغماتي للجزائر، الذي سبق أن أشار إليه الرئيس الجزائري حين أكد أن بلاده مع أي حل ترضاه البوليساريو، وهي الإشارة التي التقطتها الجبهة”.

وأوضح أن “البوليساريو تريد من خلال مقترحها إلى الأمم المتحدة تسجيل مرونة المواقف من ملف الحكم الذاتي، وأنها مع السلم في المنطقة، كما أنه إشارة تفاعلية جدية مع السياق الإقليمي الجديد، وفهم واقعي لمسار ملف الحكم الذاتي وأن المغرب حسم الشرعية الدولية فيه على المستوى السياسي، وما بقي هو تحقيق ظروف أمنية مواتية لتنزيله، وبالتالي تأسيس منصة للإقلاع الاقتصادي بالمنطقة انطلاقا من أقاليمنا الصحراوية وبمساهمة العديد من الأطراف الدولية”.

تكتيك ممنهج

تعليقا على مقترح الجبهة الانفصالية، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، إن “محاولات جبهة البوليساريو الدائمة لإقحام الاتحاد الإفريقي في عملية تسوية نزاع الصحراء ليست فقط مناورة دبلوماسية، بل هي تكتيك ممنهج تتم إدارته وتوجيهه من قبل المخابرات الجزائرية لتقويض المسار الأممي، حيث يكمن الهدف الجوهري لهذه المناورة في تصفير حصرية الأمم المتحدة، التي يزداد فيها زخم حل الحكم الذاتي المغربي”.

وأضاف المصرح لهسبريس أن “الجزائر تحاول عبر وكلائها إعادة النزاع إلى إطار قاري متجاوز يُعتبر بيئة حاضنة لموقف البوليساريو، مما يسمح لها بتشتيت الجهود الدولية وتهديد استقرار العملية السياسية التي يرعاها مجلس الأمن، بهدف وحيد هو إطالة أمد الصراع خدمةً لأجندتها الجيو-سياسية الإقليمية”.

وزاد شارحا: “بكل الوضوح الممكن، الاتحاد الإفريقي يفتقد للمصداقية الضرورية للعب دور الوسيط أو الشريك في العملية السياسية، بسبب الخطأ المؤسسي الفادح المتمثل في قبوله عضوية ‘الجمهورية الصحراوية المزعومة’. هذا الانحياز المسبق يجعله أداة طيعة في يد المخابرات الجزائرية، التي تستغل آلياته لفرض أجندة ترفض الحل التوافقي وتصر على خيار الاستفتاء غير العملي وغير الواقعي. بالتالي، فإن كل تحرك للبوليساريو في أديس أبابا هو انعكاس لإملاءات جزائرية تسعى لتعزيز شرعية الكيان الانفصالي على حساب الشرعية الدولية التي كرست حصرية الأمم المتحدة للحل”.

وتابع بأن “آليات هذا التدخل الجزائري تُفضَح من خلال التنسيق غير المعلن والتمويل اللامحدود الذي تقدمه الجزائر لدعم الحملات الدبلوماسية للبوليساريو في القارة، خاصة عبر الضغط الاقتصادي والسياسي على الدول الإفريقية لتشكيل جبهة معارضة للمغرب. وهذه المناورات لا تهدف فقط إلى ممارسة الضغط على الرباط، بل إلى خلق حالة من الفوضى التشريعية من خلال محاولة دفع الاتحاد الإفريقي لتبني قرارات تتعارض صراحة مع مقرر القمة عدد 693 لعام 2018، الذي حدد بوضوح دور الاتحاد الإفريقي في الدعم، وليس موازاة عمل الأمم المتحدة”.

وخلص الخبير ذاته إلى أن “إصرار ميليشيا البوليساريو، بتوجيه من المخابرات الجزائرية، على إقحام الاتحاد الإفريقي هو بمثابة إعلان صريح عن عدم الرغبة في التوصل إلى حل نهائي وعملي، بل هو محاولة بائسة لإحياء خطة تسوية ميتة عبر بوابة منظمة قارية عمليا منحازة؛ إذ يمثل هذا التكتيك عبئا ثقيلا على استقرار المنطقة ومسار المفاوضات، ويؤكد أن الطرف الحقيقي الذي يعرقل التسوية ليس البوليساريو فقط، بل الدولة الراعية لها التي تستخدم نفوذها المخابراتي والدبلوماسي لتحويل النزاع إلى ورقة مساومة إقليمية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق