رغم ما أثارته “كوطا الشباب” من نقاش سياسي وحقوقي واسع خلال السنوات الماضية فإن إلغاءها المحتمل يعيد إلى الواجهة سؤال الجدوى: هل شكّلت هذه الآلية رافعة حقيقية لتمكين الشباب، أم إنها اقتصرت على تكريس منطق الريع السياسي؟.
في هذا السياق تتعدد الآراء بين من يرى أن وجود حصة مخصصة للشباب في المؤسسات المنتخبة يُعدّ ضمانة ضرورية لإدماج صوت هذه الفئة في القرار العمومي، وبين من يعتبر أن المرحلة تقتضي تجاوز منطق التمييز الإيجابي نحو إشراك قائم على الكفاءة والقدرة التنافسية.
وللوقوف على وجهات النظر من داخل فئة المعنيين أنفسهم توجهت هسبريس إلى عدد من الشباب والفاعلين الحقوقيين لسؤالهم حول ما إذا كان الإبقاء على هذه الحصة ضرورة أم مجرد امتياز سياسي عابر.
تمثيلية انتقالية
ترى رجاء بطاش، باحثة في العلوم السياسية وعضو شبيبة حزب الاستقلال بفاس، أن تقليص تمثيلية الشباب في المؤسسات المنتخبة سيكون خطوة إلى الوراء في مسار تعزيز المشاركة السياسية، ولاسيما في ظل معطيات ديمغرافية تؤكد أن الشباب يمثلون الفئة الأوسع ضمن الهرم السكاني الوطني.
وتعتبر بطاش أن “الكوطا” ليست امتيازاً دائماً، بل آلية مرحلية فرضها واقع حزبي مازال يجد صعوبة في منح الشباب فرصًا حقيقية للترشح والوصول إلى مواقع القرار؛ لذلك فإن الحفاظ على هذا الإجراء يبقى ضرورياً، إلى أن تتمكن المنظومة السياسية من إنتاج نخب شابة بطريقة طبيعية ومنصفة.
تؤكد المتحدثة ذاتها، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن حضور الشباب في المؤسسات المنتخبة لا يكفي لضمان تأثير فعلي في القرار السياسي، ما دام هذا الحضور غالبًا ما يكون شكليًا وغير مدعوم بتمكين حقيقي أو تأطير مستدام.
وترى الفاعلة السياسية ذاتها أن عدداً من الشباب رغم وصولهم إلى مواقع انتدابية يجدون أنفسهم محاصرين باعتبارات حزبية أو محكومين بمنطق الولاءات، وهو ما يمنعهم من التعبير الحر عن قضايا فئتهم والدفاع عن أولوياتها داخل المجالس المنتخبة.
وتوضح المصرحة لهسبريس، في انسجام مع ما أشارت إليه سابقاً بشأن ضرورة “الكوطا” كمرحلة انتقالية، أن معالجة تمثيلية الشباب لا ينبغي أن تظل مرتبطة بهذا الإجراء الاستثنائي، بل يجب أن تتطور نحو آليات أعمق وأكثر استدامة، وتعتبر أن تعزيز حضور الشباب في الحياة السياسية يجب أن يقوم على إعادة بناء الثقة مع الفاعل السياسي، من خلال إشراك فعلي قائم على الكفاءة والاستحقاق، وليس بمنطق الترضيات أو التجميل المؤسساتي.
كما تؤكد بطاش أن تمكين الشباب لن يتحقق دون اعتماد برامج تأطيرية وتكوينية تفرز نخباً حقيقية، قادرة على التأثير في السياسات العمومية والمساهمة في تدبير الشأن العام بفعالية.
جدل السن
يؤكد مراد شويكا، الفاعل الحقوقي المهتم بقضايا الشباب والطفولة، في تصريح لهسبريس، أن النقاش حول “كوطا الشباب” ينبغي أن يُطرح بعمق، لا فقط من زاوية التمثيلية، بل أيضًا من زاوية التعريف العمري نفسه، متسائلًا: “هل من المنطقي أن نعتبر شخصًا في الأربعين أو حتى الخامسة والأربعين شابًا؟”، في وقت يُلاحظ أن عدداً من مسؤولي الشبيبات الحزبية تتجاوز أعمارهم الخمسين.
ويرى شويكا أن هذا الغموض المفاهيمي حول من يُعدّ شابًا يساهم في تكريس الريع السياسي والتمثيلي، ويفرغ الكوطا من مضمونها الأصلي، معتبرًا أن التمكين الحقيقي يبدأ من إعادة النظر في البنية الداخلية للأحزاب، وتوفير آليات ديمقراطية تتيح للشباب الفعليين خوض التجربة الانتخابية على أساس الكفاءة، لا الانتماء أو الولاء.
ويُشدد الحقوقي ذاته، في تصريحه لهسبريس، على أن المطلب الأساسي اليوم ليس الإبقاء على الكوطا كشكل مؤقت، بل الذهاب نحو سياسات عمومية تُدمج الشباب فعليًا في مراكز القرار، عبر التمكين الحقيقي داخل الأحزاب، والجماعات، والمؤسسات المنتخبة.
ويعتبر المتحدث أن استمرار الاعتماد على الكوطا يُخفي فشلًا بنيويًا في خلق نخب شابة قادرة على تمثيل مصالح فئتها، مشيرًا إلى أن الأحزاب تُوظف هذه الآلية أكثر لتلميع صورتها، لا لتجديد دمائها.
ويضيف شويكا أن المغرب لا يُعاني من غياب الشباب، بل من ضعف الثقة فيهم، وأن أي إصلاح جاد ينبغي أن يبدأ من داخل التنظيمات السياسية نفسها، لأن الشباب لا يحتاجون إلى مقاعد جاهزة، بل إلى فرص عادلة ومسارات ديمقراطية تسمح لهم بالوصول إليها بكفاءتهم.
وفي سياق متصل يرى المصرح نفسه أن أكبر عائق أمام مشاركة الشباب في الحياة السياسية لا يرتبط فقط بغياب التمثيلية، بل بانعدام الثقة في جدوى الانخراط أساسًا، سواء داخل الأحزاب أو في العملية الانتخابية عمومًا، مردفا بأن “العديد من الشباب فقدوا الأمل لأنهم يرون أن الكفاءات لا تُكافأ، وأن الأسماء تتكرر، وأن من يصلون إلى المواقع لا يمثلونهم فعليًا، بل يُعيدون إنتاج الخطاب نفسه”، ومتابعا بأن هذا الإحباط يؤدي إلى العزوف، ويضعف المشاركة السياسية من الجذور.
ويؤكد شويكا أن تجاوز هذا الواقع لن يتم عبر حصص مخصصة في اللوائح، بل من خلال إعادة بناء جسور الثقة، وتعزيز الشفافية، وتجديد النخب بشكل حقيقي يقطع مع منطق الولاء ويؤسس لمرحلة جديدة من المشاركة المواطنة الفاعلة.
0 تعليق