انخفاض التضخم في مصر
بعد سنوات اتسمت بالارتفاع الحاد في معدلات التضخم العام بمصر، والتي بلغت ذروتها التاريخية في عام 2023، بدأت المؤشرات في إظهار تراجع تدريجي. ويترقب الخبراء احتواء الضغوط التضخمية بشكل كبير مع نهاية العام المالي 2025/2026.
ويبقى التساؤل الاقتصادي الأبرز: هل يشير هذا الاستقرار إلى هدوء مؤقت أم إلى بداية حقبة اقتصادية جديدة؟
يستعرض هذا التقرير رحلة التضخم المصري منذ عام 2020 وحتى منتصف 2025، مستنداً إلى بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وتقارير المؤسسات الدولية، وتحليلات الخبراء لتفسير أسباب التباين وتحديد التوقعات المستقبلية.
المرحلة الأولى: كورونا والتحفظ النقدي (2020−2021)
مع تفشي جائحة كورونا عام 2020، واجه الاقتصاد المصري اضطراباً في سلاسل الإمداد. ومع ذلك، ظل معدل التضخم محدوداً نسبياً، مسجلاً 5.7% في 2020، ومرتفعاً إلى 8.5% في 2021 مع بداية التعافي.
أرجع الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة هذا الاستقرار النسبي إلى عاملين: السياسات النقدية المتحفظة للبنك المركزي، واستقرار سعر الصرف آنذاك حول 16 جنيهاً للدولار، إلى جانب دعم الدولة للسلع الأساسية.
المرحلة الثانية: ذروة الاضطراب والحرب الأوكرانية (2022–2023)
مثّل عام 2022 نقطة تحول مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار الطاقة والقمح.
تجاوز معدل التضخم العام 21.9% بنهاية 2022.
وبحلول عام 2023، قفز التضخم إلى مستويات تاريخية بلغت حوالي 33.9% في المتوسط السنوي، وهي الأعلى منذ عقود. ويعود هذا الارتفاع القياسي لعدة عوامل، منها:
أزمة سعر الصرف: تزايد انتشار السوق الموازية للدولار، حيث تجاوز سعره 50 جنيهاً مقابل سعر رسمي في حدود 30 جنيهاً، مما ضاعف تكاليف الاستيراد.
زيادة السيولة النقدية: أشار الخبير الاقتصادي محمد محمود عبد الرحيم إلى زيادة السيولة بسبب طباعة النقد بنسبة 27% في يونيو 2023 على أساس سنوي.
المرحلة الثالثة: التحرير الحتمي وبداية التراجع (2024)
شهد الربع الأول من عام 2024 قراراً حاسماً للبنك المركزي برفع أسعار الفائدة بـ 6% دفعة واحدة، مع تحرير كامل لسعر الصرف، مما أدى لقفزة في سعر الدولار إلى مستويات تقارب 50 جنيهاً.
رغم أن هذا الإجراء ضاعف الضغط على العملة، إلا أنه كان "قراراً حتمياً لتصحيح المسار الاقتصادي"، بحسب الدكتور هاني جنينة.
بدأت مؤشرات الأسعار تُظهر تراجعاً تدريجياً، حيث سجل التضخم 30.1% في الربع الأول من 2024، وانخفض لاحقاً إلى 26% بنهاية العام، مدعوماً بتشديد السياسة النقدية وتدفقات الاستثمار الخليجية التي عززت الاحتياطي النقدي.
ووفقاً لجنينة، ساهم قطاعا الغذاء والمشروبات بنسبة تجاوزت 60% من إجمالي الزيادة التضخمية في 2024.
(2025) عام التوازن المنتظر
حتى منتصف عام 2025، تراجعت التقديرات الأولية للتضخم العام إلى حوالي 18%.
وتتوقع المؤسسات الدولية استمرار التراجع:
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي: يتوقعان استقرار التضخم بين 10.9% و16% بنهاية العام المالي 2025/2026.
وكالة فيتش: تتوقع تراجع التضخم إلى 12.5% بنهاية 2025، ومواصلة الهبوط إلى 10.6% في منتصف 2026.
جولدمان ساكس: توقع أن يهبط التضخم إلى 10% فقط بنهاية 2025.
لكن الخبير مصطفى بدرة حذر من أن الانخفاض الحالي هو "نتيجة مؤقتة لسياسات نقدية انكماشية وركود في القوة الشرائية"، مؤكداً أن الاستدامة تتطلب زيادة الإنتاج المحلي وتخفيف الاعتماد على الواردات.
العامل الحاسم والقطاعات الأكثر إسهاماً
يظل تحرك سعر الصرف هو العامل الأكثر تأثيراً على التضخم، نظراً لارتفاع كلفة الواردات، حيث مر الجنيه بثلاث مراحل رئيسية من الاستقرار ثم التراجع الحاد ثم التحسن التدريجي في 2025 نحو 47–48 جنيهاً للدولار.
أما القطاعات الأكثر إسهاماً في التضخم فهي: السلع الغذائية والمشروبات (للنسبة الأكبر)، والنقل والوقود (بسبب تحرير أسعار الطاقة عالمياً ومحلياً)، والإسكان (لتأثر مواد البناء والخدمات العامة).
ويؤكد الخبراء أن دعم القطاعات الصناعية والزراعية لتقليل الاعتماد على الواردات التي تشكل نحو 70% من الاستهلاك، هو مفتاح تحقيق الاستقرار النهائي والوصول إلى معدل تضخم أحادي الرقم.
إخلاء مسؤولية إن الموقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.












0 تعليق