توج المغربي عثمان معما بجائزة أفضل لاعب في كأس العالم لأقل من 20 سنة، بعد المستوى المتميز الذي قدمه طوال منافسات البطولة، التي اختُتمت بتتويج المنتخب الوطني باللقب العالمي بعد فوزه على الأرجنتين بهدفين دون رد في المباراة النهائية التي أقيمت بالعاصمة الشيلية سانتياغو.
وقدم معما أداء استثنائيا خلال مشوار الأشبال، حيث كان أحد أبرز مفاتيح اللعب في تشكيلة المدرب محمد وهبي، بفضل مهاراته العالية وقدرته على التحكم في إيقاع المباريات وصناعة الفارق في اللحظات الحاسمة.
وساهم نجم الوسط المغربي في تحقيق اللقب من خلال تسجيله هدفا وصناعته لأربعة أهداف حاسمة منها واحدا في النهائي، ما جعله يحظى بإشادة واسعة من المتابعين والخبراء في الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وبفوز معما بجائزة أفضل لاعب، وتتويج المنتخب المغربي بلقب كأس العالم، يختتم الأشبال مشوارهم العالمي بتاريخ جديد سيظل محفورا في ذاكرة كرة القدم الوطنية.
لم يكن تتويج المنتخب المغربي لأقل من عشرين سنة بكأس العالم مجرّد إنجاز رياضي، بل خلاصة رؤية ملكية بعيدة المدى بدأت قبل أكثر من عقدين.
فمنذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، أدرك أن كرة القدم يمكن أن تكون أكثر من لعبة: إنها مدرسة للوطنية والانضباط، ورافعة لصناعة الفرص، ومجال لتجسيد الطموح المغربي نحو العالمية.
تجسدت هذه الرؤية في إحداث أكاديمية محمد السادس لكرة القدم سنة 2009، بمواصفات عالمية جمعت بين التكوين التقني والتأطير التربوي.
ومن بين خريجيها اليوم لاعبون يشكّلون العمود الفقري للمنتخبات الوطنية في مختلف الفئات، وصولاً إلى منتخب الشباب الذي صعد إلى القمة العالمية.
لقد تحوّل الاستثمار في التكوين إلى مشروع وطني شامل: ملاعب جديدة، مراكز تكوين جهوية، بنية تحتية بمواصفات احترافية، وأطر وطنية متخصصة.
ومع كل ذلك، ظل جلالة الملك يوجّه، في خطبه ورسائله، إلى اعتبار الشباب الرياضي ثروة وطنية يجب صقلها وإحاطتها بالدعم والفرص. ومن أكاديمية محمد السادس إلى إنجاز كأس العالم، يكتمل اليوم الخيط الناظم: رؤية ملكية بدأت من الميدان التربوي، وبلغت منصات المجد العالمي، لتُعلن أن المغرب دخل زمن “الصناعة الكروية” التي تقوم على التخطيط، لا الصدفة.
أكاديمية محمد السادس لكرة القدم لم تُبنَ لتكون مركز تدريب عابر، بل مشروع دولة يؤسس لنهضة كروية مستدامة. على مساحة تفوق 25 هكتارًا بضواحي سلا، تتجسد فلسفة التكوين المتكامل: تعليم، تأطير، رياضة، وانضباط. تستقبل الأكاديمية مئات المواهب من مختلف الجهات، وتؤمّن لهم مسارًا دراسيًا ورياضيًا متوازيين.
فالمتدربون لا يتلقون فقط تكوينًا كرويًا احترافيًا، بل يعيشون تجربة تربوية متكاملة تُعدّهم كمواطنين مسؤولين ومبدعين.
لقد باتت الأكاديمية مرجعًا قارّيًا، تقصده وفود إفريقية وأوروبية للاطلاع على نموذجها في التسيير والتكوين. وهي اليوم تجني ثمارها: فجيل كأس العالم للشباب من خريجيها، وجيل المنتخب الأول الذي أبهر العالم في مونديال قطر 2022 خرج من ذات المنظومة.
هكذا تُثبت الأكاديمية أن الرؤية الملكية جعلت من كرة القدم المغربية مدرسةً للتميز والالتزام، لا مجرد مساحة تنافس رياضي، بل مشروعًا وطنيًا لتربية جيل يعبّر عن طموح مغرب الصاعد.
التحول الكروي الذي يشهده المغرب اليوم ليس وليد اللحظة، بل ثمرة تخطيط متواصل ورؤية استراتيجية واضحة المعالم. فالتوجيهات الملكية جعلت من الرياضة، وخاصة كرة القدم، مجالًا أساسيًا للتنمية البشرية وتعزيز إشعاع المملكة قارّيًا ودوليًا.
تحت إشراف جلالة الملك محمد السادس، تم تطوير البنية التحتية الرياضية في جميع جهات المملكة: ملاعب حديثة، مراكز جهوية، برامج لتأهيل المدربين، وتحفيز للاستثمار الرياضي.
هذا التطور جعل المغرب قادرًا على تنظيم أكبر التظاهرات، وعلى تقديم ملف مشترك لتنظيم كأس العالم 2030 بثقة وجدارة.
تُبرز هذه الدينامية أن المغرب لم يعد يراهن على النتائج فقط، بل على بناء منظومة كروية شاملة، تستثمر في التكوين والتدبير والبحث العلمي والابتكار الرياضي.
إنها ثورة هادئة قادها الملك محمد السادس بخطى ثابتة، لتتحول كرة القدم من فرجة إلى قوة ناعمة تصنع صورة المغرب الصاعد في العالم. واليوم، بعد تتويج شباب المغرب أبطالًا للعالم، تتكرّس هذه الحقيقة: أن الرؤية الملكية لم تضع هدفًا رياضيًا فحسب، بل مشروعًا وطنيًا لتأهيل الإنسان المغربي في كل الميادين.
0 تعليق