الحمري يسائل انتقال خطاب التطرف من سلاطة اللسان إلى خراب الأوطان - بلس 48

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بعنوان “منطق التسلط.. في بلاغة الكذب والتطرف ودلالة ما بعد الحقيقة”، صدر عن دار دجلة الأكاديمية ودار المرهج كتاب جديد للباحث بدر الحمري، يشرّح “منطق آليات التسلط في الخطاب المتطرف” و”بلاغة الكذب” ووضع “الحقيقة في عالم ما بعد الحقيقة”، مع الاهتمام بـ”التربية على المحاججة الناقدة ضد مغالطات المتسلط”.

وقف المؤلف الحمري، وفق تقديم الكتاب الجديد، عند دلالة “مفهوم التسلُّط ومنطقه”، موضحا أن عنوان الكتاب جاء بتعبير بول ريكور “بعد طول تأمل” في الخطابات التي تتبناها الجماعات المتطرفة منذ 1928 على الأقل، ثم يشرح “يعني التسلُّط، حسب المؤلف، في دلالته اللغوية القهر، والسَّلاطة، ومن مفارقات اللِّسان أنّ السَّلِيط هو فصيحُ اللسان، والسليطة هي المرأة الصَّخّابة، إذا تسلطت بلسانها فأفحشت. كما يأتي معنى التسلط بمعنى الخمط، وقولهم تخمط الفحلُ، إذا هاج وهدر أو غضب وتكبّر. ويقالُ تأمّرَ عليهم، أي تسلَّطَ. هكذا، فإن التسلُّط في شبكته الدلالية يعني القهر، وسلاطة اللسان، وفصاحته المؤدية إلى الصّخب والفحش والهيجان والغضب والتكبر والتَّأمُّر”.

وتابع الباحث: “إذا كانت السُّلطة تعني الحق في الأمر، فإنّ التسلُّط يعني الخروج عن هذا الحق ليصبح تأمُّرا ينتجُ قهرا، أو تسيّدا ينتجُ خرابا”؛ وإنّ السلطة “لها مرجعية شرعية قانونية في أفقها الأخلاقي، لكن عندما تنزلُ إلى حضيض التأمُّر فإنها تصيرُ تسلطا بين طرفين على الأقل، طرف مُتسلط وسَليط ومتأمِّر، لا يعترفُ بأحد إلاّ بهويته الهائجة على الجميع، وليس واجبا عليه أن يفكر في الآخر ويعترف به، لكن يرى في وجوب طاعته له القاعدة الأولى والوحيدة في دستوره الفاحش.

وإذا تعرضت السلطة للفشل فغالبا ما يكون بسبب الفساد أو الوهن أو التصدع أو انهيار القيم أو خلل في أمريتها المشروعة، لكن التسلُّط منذ البداية يعلنُ التصدع والفساد ونهاية الأشياء”.

ومن بين ما خلص إليه الكتاب أنّ “التسلُّط هو اللاشرعية في امتلاك السلطة والاستحواذ عليها بالعنف. أما منطقه السليط فهو يُستثمر في بناء آليات تضليلية للوضع الذي يرى فيه المتكلم نفسه أعلى من المٌخاطب / الجمهور ولو كان مساويا له في الرتبة الاجتماعية أو السياسية أو الفكرية أو الاقتصادية، أو أقل أيضا، وهنا التسلُّط ينتقل من مستواه البلاغي المشحون إلى مفهومه الاستراتيجي المتوحش في الخطابات المتطرفة العنيفة؛ حيثُ يُلاحظ فيه اغتصاب الضعفاء والتحرّق والتلهّب والشدّة عليهم، والمتطرفُ إذا تسلط فبلسانه، وإذا فعل ذلك أفحشَ وأفسدَ الزرعَ والنّسلَ”.

إذن، أورد المؤلف الجديد أن “اللسان بداية التسلط (السلاطة)، وخاتمته إشاعة الفسادِ في بلاد النّاس، والتلهف على خيراتها، وقتل أبريائها، وترويع مواطنيها، والتآمّر عليهم، وتخريب أوطانهم كما هو الحال مثلا في سوريا والعراق وليبيا”.

وذكر التقديم أن الكتاب يبين كيف أنه “بين التسلُّط والتطرف علاقات قرابة قوية جدا، لا على حقيقة بلاغة التوحش فقط، ولكن في تزييف الواقع والنصوص ومنطقهما، يمدِّد من خلالهما المتطرف تسلطه ويفرض على المخاطبين خطابه عبر التحريض والتضييق والكراهية والصد، فلا يصير معه حديث عن امتلاكه لسلطة ما، وإلاَّ فعلينا أن نكون على قدر كبير من السذاجة حتى نصفه كذلك”.

وفي سياق كشف اشتغال “منطق التسلط”، أوضح المؤلف الجديد كيف أنّ “التسلط الديني عند المتطرف ليس شكلا خطابيا عاديا، دعائيا، أو دعويا، أو فقهيا، أو حتى دينيا بالمعنى العام للدين، بل إنه خطاب يميل إلى السياسة بمعناها اللا- نبي”.

وتابع: “لك أن تتخيّل كل الأضداد التي تمزق مفهوم النبل، بل وتغتصب حقوقه التاريخية في مبحث القيم؛ من نماذج تلك الأضداد يمكنُ ذكر: الدونية، الانحطاط، الخساسة، الوحشية، الظلم، الاستبداد، القهر، الغطرسة، الكذب.. إلخ. وهذا الخطاب (…) يخترق كل سوء فهم، ويجعل من سوء الفهم فرصته الأولى الذهبية من أجل التمكين في الأرض والتجذر في الواقع المعيش”.

وتأتي هذه الدراسة، إذن، “محاولة لفهم (بعض) من (تلك) الآليات المنطقية بعدَ تفكيكها وتشريحها بطريقة تقف عند تسلطها البلاغي والحجاجي المغالط معا”، مع الإقرار بـ”قلة الدراسات العلمية التي تناولت الموضوع من جهة، وعدم قدرتها على فضحه أمام الجمهور المتعاطفِ مع شعاراتها؛ والدليل أنه خطاب ‘يتمدّدُ’ في نسيج بعض المجتمعات ولو بشكل رمزي، خاصة مع حرية الإعلام الرقمي اللامواطن، وإن لم يتنبه له ستكون على المدى القريب مجتمعات آيلة للسقوط الحضاري والثقافي والروحي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق