أصبحت قضية تغير المناخ مظلة كبرى تتقاطع تحتها كل الممارسات اليومية، وفي مقدّمتها كيفية إدارة النفايات والمخلّفات الخطرة، ففي ظل تسارع الدول نحو تقليص انبعاثاتها من الكربون والميثان، ما يزال التخلص غير الآمن من المخلّفات مصدرًا صامتًا ومتصاعدًا لغازات الدفيئة.
وتتمثل خطورة النفايات -لا سيما الخطرة منها- في إطلاق كميات ضخمة من الملوثات التي تؤثّر سلبًا في المناخ، والصحة العامة، والتنوع البيولوجي، سواء عبر الحرق العشوائي، أو الطمر في مدافن غير محكمة، أو تسرّب المواد الكيميائية إلى المياه الجوفية والتربة.
ولم يعد الربط بين إدارة المخلّفات وتغير المناخ خيارًا، بل ضرورة تفرضها تعقيدات الواقع البيئي والاقتصادي، خاصة في الدول النامية، فالإدارة السليمة للمخلّفات لا تسهم فقط في حماية الموارد، بل تُعدّ أحد الحلول الفعّالة لخفض الانبعاثات الكربونية، وتحقيق أهداف الاستدامة المناخية.
وفي هذا الإطار، نظّمت المبادرة العربية للتعليم البيئي ندوة بعنوان "التخلص الآمن من المخلّفات الخطرة وكيفية التعامل معها"، تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، بهدف نشر الوعي المجتمعي حول هذه القضية.
وتأتي هذه الندوة ضمن سلسلة من الأنشطة التوعوية لمبادرة "عين البيئة" برعاية وزارة البيئة المصرية، لربط التعليم البيئي بالقضايا الكبرى في المنطقة العربية، على رأسها الأمن المناخي والتحول الأخضر.
تصاعد آثار تغير المناخ
استهلّ مدير عام مساعد حماية البيئة ومكافحة التلوث بالشركة العامة للبترول (شركة مصرية) الكيميائي عزالدين عادل حديثه بتعريف المخلّفات، موضحًا أنها "أيّ مواد لم تعد ذات فائدة ويُراد التخلص منها".
وأضاف أن إدارة المخلّفات لم تعد مجرد عملية نقل وطمر، بل غدت علمًا متكاملًا يهدف إلى حماية البيئة، والحفاظ على الصحة العامة، وتقليل الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وسلّط الضوء على الخصائص الخطرة لبعض أنواع النفايات الكيميائية، مثل انخفاض درجات الغليان والوميض، التي تجعلها شديدة القابلية للاشتعال والانفجار، بالإضافة إلى قدرتها على تلويث الهواء والمياه والتربة، ومن ثم التأثير بسلسلة الغذاء وصحة الإنسان.

وفي هذا السياق، ربط المُحاضر بين التعامل الخاطئ مع هذه النفايات وانبعاثات غازات الدفيئة، مؤكدًا أن النفايات الصناعية والعضوية في حال سوء إدارتها تُسهم مباشرةً في ظاهرة الاحترار العالمي وتصاعد آثار تغير المناخ.
وأضاف أن "كل طن نفايات يُدار بطريقة غير سليمة، هو بمثابة قنبلة من الغازات الدفيئة تُطلق في الهواء".
الاتفاقيات الدولية
تناولت الندوة أبرز الأطر القانونية التي تحكم إدارة المخلّفات الخطرة في مصر، وعلى رأسها قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، وقانون تنظيم إدارة المخلّفات رقم 202 لسنة 2020.
كما استعرض عزالدين عادل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وفي مقدّمتها: اتفاقية بازل للتحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، واتفاقية استكهولم الخاصة بالملوثات العضوية الثابتة، واتفاقية باماكو، التي جاءت ردًا أفريقيًا صارمًا على تصدير النفايات السامة للقارة السمراء.
وأوضح أن هذه الاتفاقيات تشكّل الإطار القانوني العالمي لضمان التخلص السليم من النفايات، بما يدعم جهود التكيف والتخفيف مع ظاهرة تغير المناخ.
كما ربط الكيميائي بين التخلص الآمن من النفايات الخطرة وقضية تغير المناخ، مشيرًا إلى أن حرق النفايات في مكبات غير منظمة، أو التخلص منها في الأنهار والتربة، يؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الميثان وثاني أكسيد الكربون، وهما من أخطر غازات الاحتباس الحراري.
وأكد -خلال الندوة- أن الإدارة البيئية الجيدة للنفايات الخطرة ليست فقط مسألة صحة وسلامة، بل هي خط دفاع رئيس في معركة مواجهة الاحتباس الحراري.
إدارة المخلفات الخطرة
شرح عادل منظومة إدارة النفايات من البداية إلى النهاية، التي تشمل جميع مراحل التعامل مع النفايات من لحظة إنتاجها، مرورًا بالتخزين والنقل، وصولًا إلى التخلص النهائي الآمن.
وعرض مخططات توضّح توافُق تخزين المواد الخطرة، والمخاطر البيئية المرتبطة بكل نوع، بالإضافة إلى أهمية التصنيف الدقيق لها في المؤسسات الطبية والصناعية.

وأوصت الندوة بالآتي:
- دمج قضايا تغير المناخ ضمن إستراتيجيات إدارة النفايات في الدول العربية.
- بناء قدرات الكوادر الشابة عبر برامج التعليم البيئي التطبيقي.
- التوسع في دعم البحث العلمي والتقنيات النظيفة في معالجة النفايات وتحويلها إلى كهرباء.
- تفعيل مبدأ "الملوث يدفع" لمحاسبة الجهات الملوّثة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق