قمة الهيدروجين الأخضر في المغرب.. تحول مثير وتساؤل يطرح نفسه (مقال) - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اقرأ في هذا المقال

  • القمة العالمية للهيدروجين الأخضر في المغرب تؤكد مكانة المملكة في القطاع
  • تحديات سوق الهيدروجين الأخضر أبرز الموضوعات الحاضرة في القمة
  • تحوّل لافت للمغرب نحو اقتصاد الهيدروجين الأخضر
  • تأمين الطلب المحلي على الهيدروجين في أفريقيا ضرورة قبل التصدير

ربما تأخرتُ قليلًا في الكتابة عن قمة الهيدروجين الأخضر في المغرب، لكني فضّلتُ التريث قليلًا لأتابع انطباعات المشاركين، خصوصًا المتحدثين من كبار المسؤولين في الشركات العالمية والهيئات الحكومية.

ومن خلال أحاديثي مع بعضهم -في أثناء مشاركتي بالقمة- أو اطّلاعي على منشورات آخرين بمواقع التواصل، تيقنتُ أن الهيدروجين انتصر في معركته الطويلة حتى ينال الاهتمام الذي يستحقه من الجهات المعنية بقطاع الطاقة عمومًا.

لقد أسهمت سلسلة المؤتمرات الدولية خلال السنوات الأخيرة في ترسيخ مكانة هذا القطاع الناشئ، إذ باتت توفر منصات تجمع صنّاع القرار والمستثمرين والخبراء لتبادل الرؤى وبحث الحلول العملية، وهو ما تحققَ بوضوح في النسخة الخامسة من القمة التي استضافتها مدينة مراكش يومي 1 و2 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

فالقمة وضعت يديها على كيفية انتقال الهيدروجين الأخضر ومشتقاته من مرحلة الطموح إلى التنفيذ، عبر بناء منظومة متكاملة تشمل البنية التحتية، وشبكات النقل والتخزين، وشهادات الاعتماد، وتقوم على المصلحة المتبادلة بين المنتجين والمموّلين والمشترين بما يضمن تقاسمًا عادلًا للمخاطر والعوائد.

وعبر 13 جلسة رئيسة وعدد من الفعاليات والنقاشات الجانبية، تناولت قمة الهيدروجين الأخضر أبرز تحديات القطاع من ضعف جاهزية البنية التحتية إلى مخاوف المستثمرين، مرورًا بالتأثيرات الاقتصادية والجيوسياسية المرتبطة بهذا التحول العالم، فضلًا عن تسليط الضوء على أبرز التقنيات والابتكارات في مجال التحليل الكهربائي.

لكن جذبَ انتباهي في مخرجات القمة نقطتان رئيستان:

  • الأولى: التحول المثير للإعجاب من جانب المغرب في أن يجمع حوله هذا الزخم العالمي ويعزز مكانته في الاقتصاد الأخضر.
  • الثانية: تتمحور حول تساؤل، وهو: لماذا تهدف مشروعات الهيدروجين الأخضر في أفريقيا إلى التصدير في المقام الأول رغم معاناة القارة من فقر الطاقة؟

المغرب.. مكانة مميزة في التحول الطاقي

بالنسبة إلى النقطة الأولي، يبدو أن المغرب لم يتعامل مع محدودية موارده من النفط والغاز بصفتها عائقًا يجعله أسيرًا للاستيراد وتكاليفه الباهظة، بل حوّل هذا النقص إلى فرصة إستراتيجية ليصنع لنفسه مكانة بارزة في عالم الطاقة الجديد.

إن استضافة المغرب لهذه القمة الدولية -عبر 5 نسخ حتى الآن- تُبرز طموحه في أن يصبح منتجًا ومصدرًا للطاقة الخضراء خلال السنوات المقبلة.

وعلى مدار يومَي قمة الهيدروجين الأخضر في المغرب، لم يخلُ أيّ نقاش حول الهيدروجين في أفريقيا والعالم من الحديث عن إمكانات المغرب المتجددة والفريدة، وموقعه الجغرافي الإستراتيجي، الذي يجعله محورًا رئيسًا في خريطة الهيدروجين الأخضر.

وقد أعادني هذا الحديث إلى تصريحات وزيرة الطاقة المغربية الدكتورة ليلى بنعلي في حوارها مع منصة الطاقة (الصادرة من واشنطن) قبل عام ونصف، حين أكدت أن المملكة تدرك تمامًا وضعها الطاقي، فهي ليست مثل قطر في الغاز، ولا السعودية في النفط، لكنها تمتلك موقعًا إستراتيجيًا فريدًا يجعلها اليوم البلد الوحيد في أفريقيا المرتبط بشبكات الكهرباء والغاز مع أوروبا في الاتجاهين.

وزيرة الطاقة المغربية ليلي بنعلي
وزيرة الطاقة المغربية ليلي بنعلي خلال كلمتها الافتتاحية بالقمة العالمية للهيدروجين الأخضر

وبفضل هذه الرؤية الحكومية الواضحة، روّج المغرب لمكانته وإمكاناته الهائلة من الطاقة المتجددة بطريقة جذبت أنظار المستثمرين حول العالم، وتجلّى ذلك في "عرض الهيدروجين الأخضر"، الذي يسعى لجذب استثمارات تُقدَّر بـ319 مليار درهم (35 مليار دولار) في المرحلة الأولى.

وصادقت اللجنة المُكلّفة بهذا العرض على عقود أولية لحجز الأراضي، لتنفيذ 5 مشروعات، وهذا يعني أن المستثمرين قد أبدوا التزامهم الفعلي بالمشاركة في التنفيذ.

ومن شأن هذه الخطة أن تدفع هدف المغرب لإنتاج نحو 3 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول عام 2030، بالاعتماد على إمكاناته في مجال الطاقة المتجددة وتحلية مياه البحر، وتلبية 4% من الطلب العالمي.

الطلب المحلي أم التصدير أولًا؟

في إحدى جلسات القمة العالمية للهيدروجين الأخضر في المغرب، قال الرئيس التنفيذي لشركة إنجي الفرنسية لمنطقة شمال أفريقيا، ريك دي بيزيري، إن النهج الأمثل بالنسبة للمغرب للاستفادة من إمكاناته في الهيدروجين الأخضر هو "الموازنة بين تلبية الطلب المحلي والتصدير".

هذا التصريح يقودنا إلى التساؤل المتعلق بالنقطة الثانية من المقال: لماذا تركّز الدول الأفريقية على تصدير الطاقة الخضراء دون التفكير في معالجة فجوة الإمدادات المحلية أولًا؟

فكثير من النقاشات الدولية حول الهيدروجين يركّز على فرص التصدير، ويُغفل الطلب المحلي الأفريقي، رغم أن القارة ما زالت تواجه عجزًا كبيرًا في الطاقة.

والسبب هو أنه على عكس أسواق النفط والغاز الراسخة، تقع السيطرة على سوق الهيدروجين في يد المشترين الدوليين، وليس المنتجين، فهم من يضعون معايير الشهادات وأسعار العقود وشروط التمويل والبنية التحتية.

وفي ظل حقيقة أن مشروعات الهيدروجين الأخضر لن تقف على قدميها سوى بوجود مشترِ مضمون، فلماذا تشجع الحكومات الأفريقية القطاع الخاص المحلي على الاستثمار في الهيدروجين وغيره من مصادر الطاقة النظيفة؟ أو على الأقل مع المشترين الدوليين والتوصل إلى صيغة اتفاق تقضي بتقاسم الإنتاج.

وسيؤدي ذلك إلى تلبية الطلب المحلي على الطاقة، وهو ما تدرسه بعض الدول، مثل مصر وجنوب إفريقيا لدمج الهيدروجين في مزيج الطاقة المحلي لتغذية محطات الكهرباء، أو لتحسين كفاءة الصناعات الثقيلة، التي يصعب كهربتها.

هذا يؤكد أن تأمين الطلب المحلي أولًا لن يعزز الجدوى الاقتصادية للمشروعات ويجنّبها مخاطر النقل والتصدير في المراحل الأولى فحسب، بل سيعزز الأمن الطاقي والتنموي لمثل هذه الدول التي تعاني أزمات كهرباء متكررة، مع تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، وفتح آفاق لصناعات جديدة ووظائف محلية.

ومع توسُّع إنتاج الطاقة المتجددة في القارة، يمكن للهيدروجين أن يؤدي دورًا في تخزين الطاقة الفائضة من الشمس والرياح، ما يمنح شبكات كهربائية استقرارًا ومرونة أكبر.

المتحدثون في جلسة توسيع نطاق إنتاج الهيدروجين خلال القمة العالمية للهيدروجين الأخضر في المغرب
المتحدثون بإحدى جلسات القمة العالمية للهيدروجين الأخضر في المغرب

وهناك أيضًا بُعد جيوسياسي؛ فحاليًا، ومع ضعف الطلب العالمي، أصبح المشتري الدولي صاحب القرار في مشروعات الهيدروجين الأخضر الأفريقية، وإذا سلّمت القارة مواردها للتصدير أولًا، فستكون أسيرة لشروط خارجية تُعيد إنتاج علاقات تبعية، ولكن هذه المرة بثوب أخضر.

هذه الأمور تتطلب تعاونًا بين الدول المنتجة للهيدروجين في القارة لبناء سلاسل إمداد أفريقية متكاملة، ووقتها لن نجد ناميبيا مثلًا -التي يعجز أكثر من 40% من سكانها عن الوصول إلى الكهرباء- تفكر أولًا في تصدير الطاقة الخضراء إلى أوروبا.

* أحمد شوقي مدير وحدة أبحاث الطاقة.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الطاقة.

فيما يلي تغطية خاصة من منصة الطاقة للقمة العالمية للهيدروجين الأخضر في المغرب..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق