التنقيب البحري عن النفط والغاز يتعثر في 4 دول عربية - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رغم تصاعد الاهتمام بالتنقيب البحري عن النفط والغاز في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، ما تزال مشروعات في بعض الدول تواجه بطئًا واضحًا في التنفيذ، لأسباب فنية أو اقتصادية أو سياسية.

ففي الوقت الذي تحولت فيه دول كالإمارات ومصر وليبيا وقطر إلى مراحل الحفر والإنتاج الفعلي، بقيت دول أخرى في دائرة الدراسات الزلزالية والمسوحات الجيولوجية دون ترجمة ملموسة على الأرض.

وتشير تقديرات احتياطيات التنقيب البحري عن النفط والغاز -وفق قاعدة بيانات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- في السواحل العربية بدءًا من المغرب إلى الخليج العربي مرورًا بشرق المتوسط، إلى إمكانات ضخمة غير مستغلة بعدد من الأحواض البحرية.

وحسب مسح أجرته منصة الطاقة، فإن تجارب 4 دول عربية (المغرب، والجزائر، ولبنان، والبحرين) تكشف أن التعثر ليس نتيجة غياب الموارد، بل نتيجة فجوة بين نقص الاستثمارات وتوفير بيئة تنفيذية مستقرة قادرة على استيعاب متطلبات الشركات الكبرى في مجالات الحفر العميق والتقنيات الحديثة.

في التقرير التالي، نرصد مسار التنقيب البحري عن النفط والغاز في 4 دول عربية، وتقديرات الاحتياطيات، إلى جانب أسباب التعثر التي تُعطّل تحول الوعود إلى إنتاج فعلي.

اكتشافات الغاز في المغرب

شهدت سواحل المغرب موجة اهتمام واسعة منذ عام 2020، بعد اكتشافات غازية محدودة في مناطق برية قريبة.

ووقّعت الرباط تراخيص مع شركات بريطانية، من بينها إس دي إكس إنرجي (SDX Energy) وشاريوت (Chariot Oil & Gas)، لاستكشاف حقول بحرية.

وعلى الرغم من إنجاز بعض المسوحات السيزمية ثلاثية الأبعاد، تأخَّر الحفر في عدد من المربعات، بسبب نقص منصات الحفر المتاحة، وارتفاع التكلفة اليومية لتشغيلها.

وغادرت إحدى سفن الحفر السواحل المغربية منتصف 2024 متجهةً إلى شرق المتوسط لتنفيذ مشروعات أكثر ربحًا، ما عطّل الجدول الزمني لمشروع حقل غاز آنشوا الذي كان من المخطط تطويره في 2025.

وتصل احتياطيات حقل آنشوا إلى 18 مليار متر مكعب من الغاز القابل للاستخراج، إلّا أن المشروع ما زال في مرحلة الدراسات النهائية دون قرار تطوير تجاري.

حقل أنشوا البحري
حقل أنشوا للغاز في المغرب - الصورة من "شاريوت إنرجي"

ويتطلب التنقيب البحري عن النفط والغاز المغربي تكاليف ضخمة، إذ يحتاج إلى منصات حفر بمواصفات محددة، أو سفينة غوص، أو بارجة.

ودفعت نتائج استكشاف الغاز المغربي في حقل أنشوا -أكبر اكتشاف غير مطوّر في المغرب- غير المتوافقة مع التوقعات، شركةَ إنرجيان إلى إعلان تخارجها من المملكة، بعد نحو عام من استحواذها على حصص برخصتين بحريتين في المغرب.

وأعادت شركة إنرجيان حصصها في المشروعات البحرية المغربية إلى شركة شاريوت، عبر إتمام نقل ملكية شركتها الفرعية بالكامل، التي تمتلك حصصًا بنسبة 45% و37.5% على التوالي في تراخيص "ليكسوس" و"ريسانا".

وأسفرت نتائج حملة الحفر التي أعلنتها شركة شاريوت البريطانية في 16 سبتمبر/أيلول 2024، في البئر الرئيسة أنشوا-3، عن التوصل إلى عدد من الخزانات التي تحتوي على الغاز الطبيعي عالي الجودة.

وبعد الحفر على عمق 3045 مترًا، بوساطة سفينة الحفر ستينا فورث، في مساحة 349 مترًا من الماء، تأكَّد أن طبقات الغاز أقل من النموذج الجيولوجي قبل الحفر، كما أن هناك خزانات أخرى كانت مستهدفة، اتّضح أنها تحمل المياه.

الحفر البحري في الجزائر

أطلقت الجزائر في عام 2024 جولة تراخيص جديدة شملت 6 مواقع، استقطبت شركات عالمية، من بينها إيني الإيطالية وتوتال إنرجي، إلّا أنه لم يكن من بينها أيّ مربعات بحرية.

وفي إطار الخطط الرامية إلى التوسع في أعمال التنقيب البحري عن النفط والغاز، وقّعت الجزائر مطلع العام الجاري اتفاقية مع شركة شيفرون لإنجاز دراسة حول إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية.

وتسعى الجزائر إلى توسيع استثماراتها في مجال الهيدروكربونات البحرية، إذ تركّز على استغلال موارد الغاز والنفط الموجودة في الحقول البحرية العميقة، ومن المتوقع إطلاق مناقصات دولية لاستغلال الموارد النفطية الموجودة في البحر خلال 2026، بوصفها تجربة أولية في هذا المجال.

منشأة نفطية في الجزائر
منشأة نفطية في الجزائر- الصورة من شركة سوناطراك

وتحتوي المياه الإقليمية الجزائرية على مخزونات ضخمة من الغاز والنفط، إذ كشفت بيانات الوكالة الوطنية لتثمين الموارد الهيدروكربونية أن الجزائر لديها أكثر من 100 ألف كيلومتر مربع من المناطق التي يُحتمل أن تحتوي على احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي البحري، لم تُستَغَلّ بعد.

وتعود مساعي الجزائر في استغلال مواردها في البحر إلى أكثر من 16 عامًا، بعد حصول سوناطراك على 4 تراخيص تنقيب صادرة عن الوكالة الوطنية لتثمين الموارد الهيدروكربونية خلال المدة من 2009 إلى 2014.

وفي عام 2017، وُقّعت 4 دراسات زلزالية واتفاقيات تقييم مع شركة توتال إنرجي، وإيني، وريبسول، وإكوينور النرويجية، لكن جميع الدراسات لم تسفر عن نتائج ملموسة حتى اليوم.

ويُرجع بعضهم التأخير باستغلال الموارد البحرية في الجزائر إلى طول الدورة التعاقدية واشتراط مراجعات تقنية دقيقة من سوناطراك قبل الموافقة النهائية على كل بئر، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الخدمات البحرية وشح أساطيل الحفر المتخصصة في أعماق المتوسط.

وكانت المزايدة التي طرحتها الجزائر نهاية 2024 (الأولى من بين 5 جولات من المقرر إطلاقها سنويًا حتى عام 2028) قد خلت من أيّ مربعات بحرية، إذ تركزت حول اكتشافات برية، احتوت 5 مربعات على اكتشافات غاز، ومربع واحد فقط على حقل نفط منتج يمكن أن يستفيد من تعزيز استخراج النفط.

مشروعات الغاز في لبنان

بعد توقيع اتفاقيات ترخيص مع تحالف شركات توتال إنرجي وإيني وقطر للطاقة عام 2018، بدأ لبنان أولى عملياته البحرية في المربع رقم 9 جنوب البلاد.

وكان من المقرر حفر بئر استكشافية في الربع الأخير من 2023، إلّا أن التوترات الحدودية مع إسرائيل وتأخُّر بعض الموافقات اللوجستية دفعت الشركات إلى تأجيل الجدول الزمني.

وفي منتصف 2024 أنهت الشركات أعمال المسح الزلزالي العميق وعمليات تحليل العينات دون تسجيل اكتشاف تجاري مؤكد، ما جعل الملف يدخل مرحلة مراجعة تقنية جديدة قبل اتخاذ قرار حول الخطوة التالية.

وتُقدِّر بعض المصادر الموارد المحتملة في المربعات الجنوبية بنحو 25 تريليون قدم مكعبة من الغاز، لكنها موارد غير مثبتة تجاريًا حتى الآن.

إلى جانب المعوقات الأمنية، يواجه القطاع تحديات قانونية تتعلق بنظام تقاسم الإنتاج، إذ ما زالت المفاوضات جارية حول كيفية احتساب حصة الدولة والشركاء في حال اكتشاف الغاز بكميات اقتصادية.

كل ذلك جعل لبنان -رغم امتلاكه أحد أكثر الأحواض الواعدة في شرق المتوسط- لم ينتقل بعد إلى مرحلة تطوير أو إنتاج.

وفي بداية العام الجاري، طلب وزير الطاقة السابق وليد فياض فسخ التعاقد مع شركة توتال الفرنسية لعدم التزامها ببنود الاتفاقية الموقّعة معها حول التنقيب البحري عن النفط والغاز في لبنان.

وقال فياض وقتها: "في نهاية مدة التنقيب عن الغاز بدأت الحرب في لبنان، ما أجبر توتال على التوقُّف عن التنقيب، لكنّ هناك تقصيرًا من قِبل هذه الشركة في موضوع الالتزامات التعاقدية".

وشدد فياض على أنّ نتائج الحفر في مربع 9 (حقل قانا) أساسية لتأسيس موضوع الحفر المستقبلي، موضحًا أن ملف النفط والغاز لن يتقدّم إلّا في حال توفُّر ظروف ترضى عنها دول الخارج.

وكانت أعمال التنقيب عن الغاز في لبنان ضمن المربع 9 البحري قد أثبتت عدم وجود أيّ اكتشافات ذات جدوى تجارية، وسط احتمال كبير لعدم حفر أيّ آبار أخرى في المربع.

وتضم المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان 10 مناطق بحرية، تتراوح مساحتها بين 1201 و2374 كم2 للمربع الواحد، وأُسنِدَت عمليات البحث في قطاعين منها (قطاع4 وقطاع9) إلى ائتلاف من 3 شركات بقيادة توتال الفرنسية.

وكان تحالف الشركات العاملة في المربع 9 -وهي شركات توتال إنرجي الفرنسية وإيني الإيطالية وقطر للطاقة- قد تَقدَّم في وقت سابق للحصول على حق العمل في المربعين 8 و10 الملاصقين لحقل قانا في مربع 9، إلّا أن عددًا من النقاط الخلافية عرقلت المشروع.

الخريطة التالية -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- تستعرض مربعات النفط والغاز البحرية في لبنان:

خريطة مربعات النفط والغاز في لبنان

احتياطيات على الورق في البحرين

تُعدّ البحرين أول دولة خليجية اكتشفت النفط في ثلاثينيات القرن الماضي، وتسعى اليوم لتطوير مواردها البحرية مجددًا عبر مشروع "خليج البحرين" الذي يُعدّ أكبر اكتشاف نفطي في تاريخ البلاد.

وتشير التقديرات الأولية إلى نحو 80 مليار برميل من النفط الصخري و30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، لكن أغلب الموارد يقع في مكامن عميقة وصخرية يصعب تطويرها بتقنيات تقليدية.

وتعاونت البحرين مع شركات دولية عدّة، من بينها هاليبرتون الأميركية، لتنفيذ دراسات الجدوى والتقنيات الملائمة للحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي البحري، إلّا أن ارتفاع الكلفة الاستثمارية وصعوبة التمويل عطّلا انطلاق المرحلة التجريبية الكبرى التي كانت مقررة في 2024.

ومن المتوقع إعادة تقييم المشروع خلال الأشهر المقبلة بعد استكمال الدراسات، مع احتمال فتح جولة شراكات جديدة لتمويل عمليات التطوير.

وفي أبريل/نيسان من عام 2018، اكتُشِف الحقل الذي وُصِف بأنه أكبر اكتشاف نفطي منذ بدء إنتاج الخام في عام 1932 من حقل البحرين البري.

وبعد مرور أكثر من 7 سنوات على اكتشافه، لم توضع تلك الاحتياطيات موضع الإنتاج، رغم تصريحات سابقة كانت تستهدف بدء الإنتاج من حقل النفط العملاق بحلول نهاية عام 2023، لكن قرار الاستثمار النهائي ما زال معلّقًا، بسبب نقص شهية المستثمرين وارتفاع التكاليف.

وكان من المأمول أن يجعل اكتشاف حقل خليج البحرين البلاد لاعبًا كبيرًا في سوق النفط؛ إذ توقعت المنامة أن يحتوي على أضعاف النفط الذي ينتجه حقل البحرين البري وحقل أبو سعفة البحري المشترك مع السعودية.

وتسعى البحرين في خطّتها من الحقل إلى إنتاج نحو 200 ألف برميل يوميًا، وهو ما قد يضاعف إنتاج البحرين من النفط الذي يبلغ نحو 190 ألف برميل يوميًا حاليًا.

الخلاصة..

يعكس التنقيب البحري عن النفط والغاز في الدول الـ4 المفارقة التي تشهدها المنطقة العربية، إذ تمتلك ثروات ضخمة غير مستغلة بسبب معوقات تنظيمية وتمويلية وسياسية، في حين تسابق دول الجوار الزمن لتوسيع إنتاجها البحري.

يملك المغرب اكتشافات صغيرة واعدة، لكنها مؤجلة، في حين تملك الجزائر بنية تحتية قوية، لكنها تعاني بطء اتخاذ القرار، ولبنان غارق في نزاعاته الحدودية، والبحرين تصارع تحديات تقنية واقتصادية لإنتاج نفطها الصخري البحري.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق