يواصل حزب فوكس الإسباني اليميني تصريف مواقفه العدائية التي تستهدف المملكة المغربية والمضادة للتوجهات السياسية الرسمية لمدريد وبروكسل، التي تنتصر للشراكة الإستراتيجية مع الرباط، إذ اتهم في بيان له الاتحاد الأوروبي بـ”خيانة” المزارعين الأوروبيين، وذلك على خلفية توقيع اتفاق فلاحي جديد مع المغرب يمدد استفادة منتجات الصحراء المغربية من التعريفات الجمركية نفسها المطبقة على منتجات باقي أقاليم وجهات المملكة.
وقدم الحزب المذكور، من خلال رئيس فريقه في البرلمان الأوروبي خورخي بوكسادي، مقترحًا يطالب فيه بالتعليق الفوري لاتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، متهماً المفوضية الأوروبية بـ”انعدام الشفافية”، وداعيًا في الوقت ذاته إلى “وضع حد لدخول المنتجات الزراعية المغربية إلى الأسواق الأوروبية باعتبارها تخلق منافسة غير عادلة”، بتعبيره.
سعيد بركنان، محلل سياسي، قال في تصريح لهسبريس إن “العقيدة الإيديولوجية التي تحكم مرجعية فوكس اليميني المتطرف تنبني على أن السيادة الإقليمية لإسبانيا مهددة باستمرار من طرف المغرب، وأن تطور الرباط الاقتصادي والعسكري واستكمال وحدتها الترابية يشكل تهديداً قوياً لمدريد، وأن المملكة تحاول أن تسترجع مدينتي سبتة ومليلية باللجوء إلى أساليب اقتصادية لخنق المدينتين وتقويض السيادة الإسبانية”.
وأوضح بركنان أن “هذه العقيدة الإيديولوجية المعادية للمغرب يستعملها حزب فوكس كورقة على مستويات متعددة تخدمه، سواء في تقوية مرجعيته باليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي، أو الضغط على الحكومة الإسبانية في موقفها الرسمي الذي يعتبر المغرب شريكاً إستراتيجياً وحليفاً إقليمياً عسكرياً واقتصادياً، كما أن الحزب يقوي بها علاقاته داخل القارة الإفريقية مع جبهة العداء للمغرب في وحدته الترابية، خاصة مع محور الجزائر-بريتوريا، مع ما يعود عليه من هذه الجبهة من دعم مادي”.
وذكر المحلل ذاته أن “عدائية حزب فوكس للمغرب هي مرجعية يؤسس بواسطتها وجوده الانتخابي داخل البرلمان الإسباني، وكذلك داخل البرلمان الأوروبي، لذلك فرفضه موقف الاتحاد الأوروبي من تمديد الاتفاق الفلاحي ليشمل المنتجات الفلاحية من أقاليم الصحراء المغربية يرى فيه فرصة لتقوية وجوده داخل المؤسسات الأوروبية”.
ولفت المتحدث إلى أن “قرار بروكسل تمديد الاتفاق الفلاحي مع الرباط هو قراءة للتحول الجيو-سياسي في قضية الصحراء المغربية التي تحولت إلى منصة اقتصادية ينبني عليها تصور إقليمي للتنمية تتبناه العديد من الدول، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين”، مضيفاً: “لذلك فهذا القرار الأوروبي هو قرار اقتصادي مبني على رؤية مستقبلية للتحولات الجيو-اقتصادية الإقليمية والعالمية، في حين أن مواقف حزب فوكس تستند إلى مرجعية تخدم عقيدة اليمين المتطرف”.
من جهته أوضح هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، أن “إصرار حزب فوكس على مهاجمة المغرب ينبع من تقاطع بين الحسابات السياسية الداخلية والمخاوف الاقتصادية المباشرة للفلاحين الإسبان”، مضيفاً أن “الحزب يستثمر قضية المنتجات الزراعية المغربية كرمز للصراع من أجل حماية السوق المحلي والحفاظ على المصالح الوطنية، في وقت يُنظر إلى بروكسل على أنها متساهلة مع المغرب”، وزاد: “هذا الخطاب يسمح له بالظهور كحام للقطاع الزراعي وللهوية الوطنية، فيما تميل الحكومة الإسبانية الرسمية نحو تعزيز التعاون والشراكة الاقتصادية مع الرباط”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن “الهجوم على المغرب يعكس رغبة الحزب في استثمار الرموز الخارجية كوسيلة لإعادة تعبئة قاعدته الشعبية، إذ تمثل المملكة حالة ‘العدو الخارجي’ المثالي الذي يمكن استثماره لتأجيج شعور الخطر الاقتصادي والسياسي، وبالتالي تحويل النقاش العام نحو مصلحة التنظيم داخلياً”، مبرزاً أن “الاستهداف المكثف للمغرب يرتبط أيضاً بالصراع على النفوذ داخل البرلمان الأوروبي”.
وتابع معتضد بأن “إصرار فوكس ليس مجرد موقف اقتصادي، بل هو تجسيد لإستراتيجية سياسية داخلية ذات أبعاد انتخابية، إيديولوجية ورمزية، تستغل الخلافات الاقتصادية والتحفظات القانونية حول منتجات الأقاليم الجنوبية للمملكة لتكريس صورة الحزب كحامي مصالح الإسبان ضد ما يعتبرها مؤامرات خارجية”، مشيراً إلى أن “الحزب يستخدم أزمة الفلاحين، وحالة المنتجات القادمة من الجنوب الغربي للمغرب، كفرصة لتجديد دعواته ضد النخب الحاكمة وفرض نفسه كمدافع عن ‘الضعفاء’ في السوق المحلي”.
وأبرز المتحدث أن “التلازم بين البعدين الإيديولوجي والانتخابي يفسر حدة خطاب هذا الحزب، خصوصاً في البرلمانات الوطنية والأوروبية، حيث تُقاس شعبية الأحزاب من خلال قدرتها على إثارة الجدل والتأثير في السياسات الاقتصادية”، معتبراً أن “القدرة الأوروبية على كبح مثل هذه الأصوات الشعبوية محدودة بطبيعتها، فالبرلمان الأوروبي يتميز بتعددية سياسية واسعة، حيث تمثل الأحزاب الشعبوية نسبة متزايدة من المقاعد”، وتابع: “هذه الكتل ليست ملزمة دائماً بالالتزام بالخطاب الرسمي للمفوضية الأوروبية أو الحكومات الوطنية، ما يمنحها هامشاً واسعاً للهجوم على الشركاء الخارجيين مثل المغرب”.
وخلص المحلل ذاته إلى أن “الاتحاد الأوروبي يعتمد على آليات دبلوماسية، قانونية وتجارية، للتعامل مع الخلافات، لكنه يواجه تحديات كبيرة في مواجهة خطاب سياسي شعبوي قوي مدعوم بأساليب إعلامية فعالة”، خاتما: “ومع ذلك أعتقد أن لدى الاتحاد أدوات غير مباشرة للتعامل مع هذه الهجمات، مثل التأكيد على أرقام التجارة، الشفافية القانونية، وحماية الاتفاقيات الدولية من التشويش السياسي”.
0 تعليق