مشروع قانون المالية يجدد النقاش حول الأمازيغية والسياسات العمومية - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حدّد مشروع قانون المالية لسنة 2026 النفقات المأذون للسلطة الحكومية المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة الالتزام بها مقدما خلال السنة المالية المقبلة من الاعتمادات التي سترصد لها في السنة المالية 2025، فيما يتعلق بصندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية، بمبلغ مليار وخمسمائة مليون درهم؛ وهو ما أعاد النقاش حول حجم التمويل المخصص لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بين من ينتقد ضعف فعاليته، وبين من يرى أن الصندوق حقق إنجازات ملموسة وأسهم في تعزيز وضعية هذه اللغة الرسمية في الفضاء العمومي.

وكانت الحكومة التزمت في برنامجها بإحداث صندوق خاص لهذه الغاية ابتداء من سنة 2022، كآلية مالية للدولة من أجل إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والاتصال، فضلا عن استعمالها في الإدارات وفي مجموعة المرافق العمومية.

وجاء في البرنامج الحكومي: “سيعمل هذا الصندوق على تعزيز العدالة الثقافية واللغوية، وعلى غرار آليات التمويل التي تعبأ في كل مرة كروافع إدماج للسياسات العمومية من أجل التنمية الاجتماعية والمجالية. ويستمد صندوق مواكبة ترسيم الأمازيغية موارده من ميزانية الدولة، التي ستصل إلى مليار درهم ابتداء من سنة 2025”.

تفاعلا مع هذا الموضوع، قال عبد الله بادو، باحث في قضايا اللغة والثقافة الأمازيغية عضو المكتب التنفيذي للشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة “أزطا”، إن “تجربة صندوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية تمثل نموذجا صارخا لفشل الحكومة في التعاطي مع ورش إدماج الأمازيغية في الحياة العامة؛ بالنظر إلى غياب التخطيط، وتدهور مستوى الشفافية، وغياب الإرادة السياسية الفعلية لإنجاح المشروع”.

وأضاف بادو، في تصريح لهسبريس، أن “الغاية من إحداث هذا الصندوق هو دعم إدماج الأمازيغية في المؤسسات والإدارات العمومية؛ لكن الحكومة فشلت في وضع برنامج واضح المعالم بأهداف ومؤشرات دقيقة. ووفق المعطيات الصادرة عن وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، فإن صندوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بلغ غلافا ماليا إجماليا قدره مليار درهم بحلول عام 2025؛ غير أن ما تم صرفه فعليا إلى غاية منتصف السنة نفسها لا يتجاوز جزءا محدودا من هذا المبلغ، موزعا على مشاريع إدارية وخدماتية بنسب متفاوتة”.

وتابع الباحث في قضايا اللغة والثقافة الأمازيغية بأن “غياب وثائق العمل والتقارير الرسمية جعل من الصعب تقييم مدى فعالية الصرف أو قياس الأثر الملموس للمشاريع التي يمولها الصندوق. ويُعتبر ذلك دليلا على ضعف الرؤية الاستراتيجية لدى السلطة الحكومية المكلفة بتدبير الصندوق”، مبرزا أن “الحكومة لم تلتزم فقط بإصدار بيانات وتقارير دورية حول أنشطة الصندوق أو نتائجه؛ بل ذهبت إلى حجب الموقع الإلكتروني الرسمي للصندوق، مما حدّ من قدرة الفاعلين المدنيين والباحثين على تتبع سير عمله”.

وذكر المصرح ذاته أن “المستفيدين المباشرين من تمويلات الصندوق، حسب المصادر الرسمية، يتوزعون على فئات ومؤسسات متعددة؛ منها الإدارات العمومية والجماعات الترابية ومراكز الاتصال العمومية ومؤسسات النقل العمومي والخدمات، إلى جانب برامج التكوين والتدريس”.

ولفت إلى أنه “على الرغم هذا التنويع في المستفيدين، فإن المعطيات المتوفرة والمرصودة ميدانيّا تؤكد أن المردودية الميدانية لا تزال دون المأمول وتحت عتبة الانتظارات، إذ تظل أغلب المشاريع محدودة في الطابع الرمزي والتجهيزي دون أثر حقيقي على الاستعمال اليومي للأمازيغية في المؤسسات الرسمية”.

وخلص بادو إلى أن “الأداء الحكومي في هذا الورش هو عنوان عريض لـ’إخفاق واضح في ترجمة الالتزامات الدستورية إلى واقع ملموس’، حيث إن الحكومة لم تُبدِ جدية في تنفيذ مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”، مبرزا أن “هذا التباطؤ يُضعف الثقة في معنى الاعتراف الدستوري ذاته؛ لأنه لم يتحول إلى سياسات عمومية متكاملة تُعيد الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغية ضمن منظومة الدولة المغربية”.

من جانبه، قال محي الدين حجاج، المنسق الوطني لجبهة العمل السياسي الأمازيغي عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، إنه “لا يمكننا إلا تثمين اعتماد غلاف مالي مهم لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية منذ سنة 2022؛ وهي الخطوة التي أكدت جدية الحكومة في مسعاها لإنجاح هذا الورش الوطني الكبير، وهو ما انعكس إيجابا على وضعية الأمازيغية مقارنة بما سبق”.

وشدّد حجاج، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن “هذا الإجراء نقل الأمازيغية من الصفر إلى مبلغ مليار درهم من ميزانية الدولة، وانعكس على مجموعة من القطاعات الحكومية، حيث تم توظيف مجموعة من الموظفين والأعوان بقطاعات عديدة، إضافة إلى تسريع وتيرة إدخال الأمازيغية إلى الفضاء العمومي عبر التشوير الطرقي وترجمة مجموعة من اللوحات”.

وأبرز المنسق الوطني لجبهة العمل السياسي الأمازيغي أن هذه المجهودات، رغم أهميتها، نراها محطة تأسيسية لما هو أكبر، أي ضرورة الوصول إلى المساواة الفعلية بين اللغتين الرسميتين للدولة”.

وتابع المتحدث ذاته بأن “مسألة ضرورة وضوح الاعتمادات المخصصة للأمازيغية هي فكرة تحتاج لنقاش حقيقي بدون خلفيات أو مزايدات، لأن الغاية كانت أولا وقبل كل شيء إخراج هذه الاعتمادات إلى الوجود، وتبقى مسألة تدقيق أوجه صرفها قابلة للنقاش؛ بل وضرورية لجعل الأمازيغية تستفيد من أكبر قدر ممكن منها، بما يخدم تنزيلها تنزيلا صحيحا”.

وأبرز حجاج أن “هذا يجب ألا يمر من بوابة الإنكار لما تم تحقيقه؛ بل لا بد لنا، كل من موقعه، من تثمين ما هو كائن في هذا الباب والدفع قدما في اتجاه تجويده وتقويته”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق