بعد اطّلاع أمير المؤمنين الملك محمد السادس على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة، وإذنه بوضعها رهن إشارة العموم، نشرت الأمانة العامة للمجلس، مساء الجمعة، النص الكامل للفتوى، وجاءت في نحو 13 صفحة مستهلة بـ”تقديم” يتضمن “توضيحات ضرورية”.
الفتوى المنشورة على الموقعين الإلكترونيين لكل من وزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى، التي جاءت بعد توجيهات ملكية قبل شهر قصد إعدادها بشكل مبسّط لعموم المغاربة وتقريبهم من مقاصدها ومستجدات العصر المواكبة لها، نصّت على قائمة “الأموال التي تجب فيها الزكاة”، شاملة لـ 8 قطاعات، بعد أن أكد المجلس أن “نطاق مفهوم المال قد اتسع في الواقع المعاصر”.
وبحسب النص الذي اطلعت عليه هسبريس في الصيغة النهائية المنشورة “يمكن رد مفهوم المال إلى القطاعات الكبرى الآتية، وهي: قطاع الفلاحة؛ قطاع الماشية؛ قطاع منتجات الفلاحة من غير الحبوب؛ قطاع الغابات؛ قطاع الصيد؛ قطاع التجارة؛ قطاع الصناعة وقطاع الخدمات”.
و”يندرج في كل قطاع عشراتُ الأنواع من الأموال التي يمكن اعتبارها مما تجب فيه الزكاة، ويمكن أن يُستأنس في هذا الباب بالتصنيف المغربي للأنشطة الاقتصادية الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، وهو تصنيف مبني على 21 قطاعا و88 فرعا و274 شعبة و650 نشاطا، ولذلك فالأنشطة المذكورة تحت القطاعات في هذه الفتوى إنما هي مذكورة على سبيل المثال، ولكن حُكم ما لم يذكر من ذلك القبيل هو نفس الحكم في ما يرجع للنصاب وللقَدْر الواجب فيها”.
التوضيحات العشرة
في صدارة نص الفتوى المتعلقة بالزكاة، أكد المجلس العلمي الأعلى على إبداء “التوضيحات الضرورية”، مبيّنا أن “القصد، حصريا، من إصدار هذه الفتوى هو بيان أحكام الزكاة لمن تجب عليه مسئوليتها”، كما أن “العلماء بإصدار الفتوى إنما يقومون بواجبهم في التذكير والتبليغ”.
وقال المجلس إن هذه الفتوى “تشتمل على بيان ما يحتاج إليه المكلّف في القطاعات التي تتعلق بها الزكاة، وهي أنواع الأموال التي تجب فيها، ومقدار ما يجب في كل نوع، ومتى يتعين إخراجها، ومن يستحق أن تعطى له”، مؤكدا أنه “اعتَمد في معظم أحكام هذه الفتوى على ما ورد في المذهب المالكي”.
واستعملت الفتوى “المصطلح الفقهي المعتاد مع شرحه بما يُيَسِّر الفهم لعموم الناس”، حسب المصدر ذاته، الذي أشار إلى أن “الفتوى استوعبت ما يتعلق بالزكاة كما ورد تقريره في كتب الفقه أو في ما يستنبط منها، علما بأن توسع النشاط الإنساني وتعقّده في هذا العصر، اقتصاديا وماليا واجتماعيا، قد تتولد عنه حالات تمكن معالجتها بالقياس على الأحكام الأصلية أو بالنظر إلى المقاصد، لذلك فإن المجلس سيظل مواكِبا للموضوع في اجتهاد مفتوح”.
وتابع موضحا: “يمكن لكل من عنده حالة خاصة، لا سيما في زكاة الأنشطة الجديدة المدرة للمال، أن يتوجه بالسؤال إلى المجلس العلمي الأعلى، وذلك بإرسال السؤال مكتوبا أو مسجلا بالصوت على موقع إلكتروني سيعلن عنه المجلس بعد نشر هذه الفتوى”، معتبرا أن “مِن المناسب في هذا التقديم توضيحُ الفرق بين الضريبة وبين الزكاة: وهو أن الضريبة تأخذها الدولة من الناس مقابل مختلف الخدمات التي تقدمها لهم، والزكاة يُخرجها المكلفون من الأموال حسب أحكامها الشرعية، وتستفيد منها الفئات المبينة بنص القرآن الكريم”.
بعد إشارته إلى أن “الزكاة يعطيها المزكي استجابة لأمر الله”، لفت المجلس إلى أن “المقصد الذي بيّنه القرآن الكريم من الزكاة في قوله تعالى: ﴿ خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ﴾ (التوبة: الآية 104) هو الفائدة التي تعود على المعطي، بتحريره من الشُّح والبخل”.
“لمن تُعطى الزكاة”
تضمنت أبرز محاور نص الفتوى، المذيَّلة باسم الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى محمد يسف، الحديث عن “مصارف الزكاة، وهي الجهاتُ المستحقة للزكاة المذكورة في قوله تعالى: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم﴾ التوبة 60، وهُم: الفقراء والمساكين، وهما فئتان من المجتمع بهما خصاصة وحاجة، على تفاوت في هذه الحاجة”.
“غير أن الفقر لم يُعد، على مستوى المجتمع، موضوعا متروكا للحكم الجزافي، بل صار موضوعا للقياس والتصنيف على المستويين الدولي والوطني، من خلال الدراسة العلمية لمستوى العيش ولمدى القدرة على تلبية الحاجات الأساسية وغيرها، ويتدخل فيه السلوك الاستهلاكي الذي يختلف من الوسط الحضري إلى الوسط القروي للأسر، وقد يوصف بوصف “الهشاشة” أو بالفقر “المطلَق” أو الفقر “النسبي”، إلى غير ذلك، والبلدان تقيس تقدمها الاجتماعي بمدى تحسن حالها بهذه المرجعيات المقدرة تقديرا إحصائيا”، يوضح المجلس.
وحسب النص، “يمكن أن يُفهم من ورود الفقراء والمساكين في مقدمة المستحقين أن أولوية الزكاة هي سد الخصاص في الحاجات الضرورية لعيش الناس، بحيث تأتي الوجوه الأخرى تالية في الاستحقاق. أما الأصناف الثلاثة، وهي العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب، فإنها غير واردة في سياقنا الحاضر. أما الغارمون: فهم الذين عليهم ديون لا يستطيعون أداءها؛ وابن السبيل: وهو المحتاج المنقطع عن بلده، وللمزكي أن ينظر في من تحقق بهذا الوصف؛ أما الصنف الآخر وهو “في سبيل الله”: فيعني مختلف أوجه نفع الإسلام”.
فريضة عظمى
جدير بالإشارة إلى أن نص الفتوى أقرّ بأن “الزكاة ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائضه العظمى، وأساس من أسسه الكبرى التي تنبني عليها أحكام الإسلام الأخرى، المقوِّمة لحياة المسلم”، مسجلا أنه “لا يجوز إعطاء الزكاة لمن تجب نفقته على المُزكي كالوالدين الفقيرين والأولاد غير البالغين والزوجة”. كما أنه “لا زكاة في الأشياء المتخذة للزينة كالحُلِيِّ وما في حكمها، وإذا بيعت وجبت زكاتها إذا بلغ ثمنها النصاب ومضى عليه العام”.
واعتبر التقديم أن في هذه الفتوى “أصول ما يجب أن يستحضره المسلم عن هذه الفريضة، وعرض ضروري لأحكامها على مذهب الإمام مالك”، مذكرا بأن “الزكاة حق محدد أوجبه الله في المال إذا بلغ مقدارا معينا، ليصرف على المستحقين المحددين في قوله تعالى: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم﴾ (التوبة: الآية 60).


















0 تعليق