تشهد الدراما المغربية تحولا ملحوظا في السنوات الأخيرة، إذ لم تعد حبيسة السباق الرمضاني الذي لطالما شكل الموعد الأبرز لعرض الإنتاجات التلفزيونية الجديدة، بل بدأت القنوات الوطنية بث أعمال درامية خارج هذا الموسم، في خطوة لملء فراغ ما بعد رمضان وتقديم بدائل فنية تواكب ذوق المتفرج المغربي الذي أصبح أكثر تنوعا ووعيا.
ورغم أن شهر رمضان ظل لسنوات طويلة “الموسم الذهبي” للدراما المغربية، بما يحمله من نسب مشاهدة قياسية وإقبال جماهيري واسع، إلا أن متابعين للشأن الفني يؤكدون أن المشهد يشهد تغيرا تدريجيا، مع بروز رغبة لدى الجمهور في الاستمتاع بأعمال درامية طيلة العام، وليس فقط خلال الشهر الفضيل.
وتحظى مجموعة من الأعمال الدرامية المغربية المعروضة حاليا بمتابعة لافتة من طرف الجمهور، من بينها مسلسل “أنا حرة” الذي يثير نقاشا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي لما يطرحه من قضايا اجتماعية حساسة تتعلق بالمرأة المغربية المعاصرة، ومسلسل “قفطان خديجة” الذي يسلط الضوء على عوالم الموضة والتقاليد المغربية في قالب درامي يجمع بين الرومانسية والتشويق، إلى جانب مسلسل “يد الحنة” الذي انطلق عرضه ضمن الموسم التلفزيوني الجديد، حاملا معه جرعة من الدفء العائلي والحنين إلى القيم الأصيلة.
هذه الأعمال وغيرها تعكس رغبة القنوات الوطنية في تجديد برمجتها الدرامية وإبقاء المشاهد المغربي على موعد دائم مع الإنتاج المحلي خارج السباق الرمضاني التقليدي.
دراما الهوي,
قال الناقد المغربي عبد الرحيم الشافعي، في تصريح لجريدة هسبريس، إنه “منذ زمن بعيد ارتبط الجمهور المغربي بالدراما التلفزيونية، خصوصا في شهر رمضان الذي ظل موسما سنويا للاجتماع حول الشاشة ومتابعة القصص الاجتماعية والتاريخية”، وأضاف أن “الدراما المصرية والسورية كانت تحظى بالحضور الأكبر خلال التسعينيات وبداية الألفية، لما فيها من عمق وحبكة وإنتاج ضخم، لكن المشهد تغير اليوم، فمع زيادة حجم الإنتاج المغربي وتنوع المواضيع بدأ الجمهور يلتفت أكثر إلى الدراما المحلية التي تشبه في أسلوبها الدراما التركية من حيث القصة والإيقاع والسرد، لكنها بصيغة مغربية”.
وتابع الشافعي بأن قلة من هذه الأعمال تبقى مغربية خالصة من حيث الهوية والمضمون، مردفا بأن “الدراما المغربية تتطور اليوم في مسار تصاعدي من حيث الإنتاج، بينما يكمن التحدي الأكبر في الكتابة، فالجمهور المغربي ينتظر مسلسلات تكتب له ولثقافته، تحاكي وجدانه وتعبر عن بيئته وسياقه الاجتماعي والمعرفي، لا أعمالا تستنسخ من الخارج أو تسقط إسقاطا على الواقع المحلي”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “المسلسل الذي ينبع من الهوية المغربية سيحظى حتما بالإقبال، لأن المتفرج أصبح أكثر وعيا وذكاء في التلقي”، لافتا إلى أن “نسب المشاهدة لا تعبر دائما عن الاهتمام الحقيقي، إذ هناك فئة تشغل التلفاز دون متابعة فعلية، فالأغلبية المتابعة من الآباء، ومنهم من ينام ويترك الجهاز مفتوحا، وهذا يحدث أيضا على المنصات الرقمية التي تترك مفتوحة تلقائيا، وهذا بالضبط يجعل الأرقام شكلية أكثر من كونها مؤشراً صادقًا على تفاعل الجمهور مع الدراما المغربية”.
على مدار السنة
أكدت السيناريست بشرى ملاك في حديثها مع هسبريس أنها لا تملك هاجس عرض أعمالها خلال الموسم الرمضاني، مشددة على أهمية أن يتوزع الإنتاج الدرامي على مدار السنة.
وقالت ملاك: “أتمنى ألا يكون هناك تمركز في رمضان فقط، بل أن يكون للمتلقي المغربي ما يشاهده في القنوات الوطنية على مدار السنة”، مبرزة أن “الزخم في الإنتاجات الذي يكون خلال الشهر الفضيل يجعل من الصعب على الجمهور متابعة كل شيء، ولا تُعطى كل الأعمال حقها”.
وأضافت المتحدثة أنه “من الأحسن أن يحرص أصحاب البرمجة على أن يكون المنتج المغربي متوفرا على طول العام، حتى يتمكن المشاهد من متابعة أعمال مختلفة بهدوء، دون ضغط كثرة العروض التي تميّز الموسم الرمضاني”.
الصمت إلى حين
في المقابل رفض عدد من النقاد المغاربة في تصريحات متفرقة لهسبريس التعليق على الموضوع، مؤكدين أنهم لا يتابعون الأعمال الدرامية الوطنية، خاصة المعروضة خارج رمضان، ما يجعلهم غير قادرين على إصدار أحكام دقيقة بشأن تفاعل الجمهور معها أو تقييم مستواها الفني، وهذا ما يكشف أن هذه الظاهرة مازالت في طور التجريب ولم تحظ بعد بالاهتمام النقدي الكافي.
وفي ضوء هذه الآراء يبدو أن الدراما المغربية تسير بخطى متأنية نحو كسر حصرية رمضان كموسم للإنتاج والعرض، في محاولة لإرساء عادة جديدة لدى الجمهور المغربي تقوم على “فرجة مستمرة” طوال العام.
وبينما يرى البعض أن التجربة مازالت في طور الاستئناس يؤكد آخرون أن نجاحها مرهون بمدى جودة الكتابة والسيناريو، وبقدرة المنتجين والمخرجين على تقديم أعمال تعبر بصدق عن نبض المجتمع المغربي، وتمنح للدراما المحلية موسمها الخاص خارج رمضان.
0 تعليق