كما كان متوقعًا شهدت دورات شهر أكتوبر الجاري الخاصة بعدد من المجالس الجماعية بالمغرب “ملاسنات حادة” تطورت إلى ما يشبه مواجهات بين الأغلبية والمعارضة، الأمر الذي توقف عنده عدد من المتتبعين قصد التساؤل بخصوص نضج الديمقراطية المحلية على مستوى بعض الجماعات الترابية.
وإذا كان البعض رأى في هذه السلوكيات “مساً” بكل القوانين والأخلاقيات المؤطرة لعمل أعضاء المجالس الجماعية فإن آخرين تعاملوا معها كأحداث طبيعية يعرفها المشهد السياسي بين الفينة والأخرى، وتُبرز صراعًا متواصلًا بين الفاعلين السياسيين، عادة ما تحركه المصالح الخاصة والعامة.
ومن أبرز ما جذب اهتمام متتبعي الشؤون المحلية تلك الملاسنات الحادة التي شهدتها دورة أكتوبر الخاصة بكل من جماعة “سيدي موسى المجدوب”، التابعة لعمالة المحمدية، وجماعة “السوالم الطريفية” التابعة لإقليم برشيد، في وقت لا يختلف الوضع كثيرا بجماعات أخرى.
في نظر الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط عبد العالي بنلياس “يدل الأمر، بشكل أو بآخر، على أن النخب المحلية المشكلة للجماعات الترابية لم تصل بعدُ إلى مستوى تملّك ثقافة المرفق العام، وكذا ثقل المسؤولية الانتخابية والانتدابية الملقاة على عاتقها”.
وأضاف بنلياس، في تصريح لهسبريس، أن “الصراعات التي نراها كل سنة داخل دورات المجالس الجماعية تظل سياسوية بامتياز وتدور حول المصالح، وتستهدف ربما تقاسم المنافع والامتيازات المرتقبة”، مبرزًا أن “المبدأ يقتضي أن يمثل هؤلاء الساكنة على أحسن وجه، على اعتبار أنهم حصلوا على ثقتها خلال الانتخابات”.
وحمل المتحدث الأحزاب السياسية جزءًا مما يقع، إذ أكد أنها “لا تميل إلى اختيار الكفاءات والوجوه السياسية المحلية ذات الخبرة، في حين تختار من لديهم امتدادات اجتماعية وشعبية، وذلك بهدف الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد، دون اكتراث بما قد ينتجه هذا التوجه في ما بعد”.
وختم الجامعي ذاته قراءته للوضع قائلًا: “المشكل هو مشكل نخبة حزبية ومحلية. ومن الضروري جدًا التصدي لمثل هذه السلوكيات التي تشهدها دورات المجالس الجماعية كل سنة، اعتبارًا لأهمية الديمقراطية المحلية في بناء الديمقراطية على المستوى الوطني ككل، وباعتبارها أيضا جزءًا لا يتجزأ منها”.
أما عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، فكان له رأي مغاير نسبيًا، إذ أكد أن “الصراع في الحياة السياسية طبيعي جدًا، والمصالح العامة والخاصة هي التي تكون عادة وراءه”.
وأكد العلام، في تصريح لهسبريس، أن “وجود الصراع المادي بين أعضاء المجالس الجماعية، خلال الدورات تحديدًا، لا ينم بالضرورة عن ضعف في الديمقراطية المحلية أو فسادها؛ بل يمكن أن يؤكد على حيوية طبيعية للحياة السياسية”، وتابع شارحًا: “يجعلنا هذا الأمر نؤكد كذلك على أن التوافق التام داخل المجالس والاكتفاء برفع الأيدي للتصويت على الميزانيات، بدون سجال أو نقاش معمق، هو أيضًا أمر غير صحي”، مبرزًا أن “الملاسنات والاشتباكات بالأيدي تعرفها عدد من التجارب الديمقراطية في العالم”.
واستدرك المتحدث ذاته بالقول: “إن الصراع السياسي من أجل المصلحة العامة يؤطره القانون، وحبذا لو كان عبر البرامج والوقفات السلمية والاحتجاجات والاعتراضات. وإذا حدث ما يخالف ذلك فإنه لا يطعن في منسوب الديمقراطية بمجال ترابي بعينه”.
0 تعليق