أصبحت كفاءة شبكات الكهرباء أحد أبرز التحديات التي تواجه منظومات الطاقة الحديثة، إذ لم يعد الهدف مجرد توليد الكهرباء من مصادر متجددة، بل ضمان قدرة الشبكات على استيعاب القدرات المتزايدة من هذه المصادر دون التأثير في استقرار النظام الكهربائي.
فمع توسُّع مشروعات طاقتي الشمس والرياح، أصبحت هناك ضرورة ملحّة للعمل على تطوير شبكات النقل والتوزيع لتكون أكثر مرونة واستجابة لتقلبات الأحمال وتغيّر مصادر التوليد.
وفي هذا السياق، قدّمت الباحثة في قسم نظم القوى الكهربائية في كلية الهندسة بشبرا التابعة لجامعة بنها، سهام أحمد، رسالة ماجستير متميزة -اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- بعنوان: "التشغيل الأمثل لشبكات التوزيع الكهربية في ظل تغير موارد التوليد والأحمال".
وتطرح الرسالة نموذجًا جديدًا يستند إلى خوارزمية بذور الأشجار (TSA) لتحديد أفضل المواقع والسعات للمولدات الموزعة، بما يحقق كفاءة تشغيلية واقتصادية أعلى لشبكات الكهرباء.
ونفّذت الباحثة النموذج بإشراف أساتذة نظم القوى الكهربائية في كلية الهندسة بشبرا التابعة لجامعة بنها الدكتور محمد مؤنس سلامة والدكتور حسام عبدالرازق والدكتور أحمد الزواوي.
خفض الانبعاثات الكربونية
قالت المهندسة سهام أحمد، إن الدافع لإجراء هذه الدراسة انطلق من الحاجة الملحّة إلى إيجاد بدائل نظيفة ورخيصة للطاقة، في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الوقود وإمكان نفاد احتياطاته مستقبلًا، إلى جانب السعي للحدّ من الانبعاثات الكربونية المسبّبة للاحتباس الحراري.
وأضافت الباحثة أن المولدات الموزعة (DG) قد أصبحت خلال الأعوام الأخيرة أحد أهم الاتجاهات البحثية في مجال الطاقة؛ نظرًا لتأثيرها الإيجابي في أداء شبكات الكهرباء، من حيث تحسين الفولتية وتقليل الفاقد في الطاقة.

وتابعت أن هذه المولدات -التي تشمل نظم الطاقة الشمسية الكهروضوئية ومولدات الرياح- تُعدّ مصادر صغيرة لتوليد الكهرباء تُركَّب بالقرب من مناطق الاستهلاك، ما يخفّف الضغط على الشبكة المركزية.
واستطردت قائلة: "إن الهدف من الرسالة هو تحديد أفضل موقع وسعة لهذه المولدات الموزعة باستعمال تقنيات مثلى، للتغلب على المشكلات التشغيلية وتحسين استقرار شبكات الكهرباء".
تحسين شبكات الكهرباء بالخوارزميات
اعتمدت الباحثة في دراستها على خوارزمية بذور الأشجار (Tree Seed Algorithm – TSA) لتحديد الحجم والموقع الأمثل للمولدات الموزعة ضمن أنظمة التوزيع الشعاعية، مع مراعاة القيود الفنية والاقتصادية للشبكة.
واختبرت الباحثة النموذج الذي طوّرته على نظامين كهربائيين تجريبيين يمثّلان شبكات توزيع حقيقية، وذلك لتقييم مدى دقّته وكفاءته.
وخلال التجارب، جرت تجربة 7 أحجام مختلفة من المولدات في ظروف تشغيل متنوعة، تبدأ من الحمل الطبيعي للشبكة حتى زيادة الأحمال إلى الضعف تقريبًا (100%)؛ بهدف معرفة أفضل أداء ممكن في كل سيناريو.
وأظهرت النتائج أن خوارزمية (TSA) تمكّنت من خفض حجم وحدات التوليد الموزعة بنسبة تجاوزت 70%، وتقليل خسائر الطاقة في الشبكة بأكثر من 12%، مع الحفاظ على مستويات الجهد ضمن الحدود المسموح بها.
ولفتت الباحثة إلى أن الحجم الأمثل للمولدات بلغ 1.78 ميغاواط في حالة الحمل الأساس، و1.34 ميغاواط عند زيادة الحمل بنسبة 50%، و1.8 ميغاواط عند الزيادة الكاملة بنسبة 100%.
توصيات الدراسة
تمخضت الدراسة عن عدّة توصيات لتطوير العمل المستقبلي في هذا المجال، أبرزها دراسة تحسين خوارزمية TSA لتناسب الظروف البيئية المتغيرة، وإجراء أبحاث إضافية على أنظمة التوزيع الحلقية (Ring Distribution Systems)، إلى جانب دراسة تأثير اختلاف معامل القدرة للمولدات الموزعة على أداء الشبكات.
من جانبه، قال المشرف على الرسالة الدكتور محمد مؤنس -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة-، إن هذه الدراسة تمثّل خطوة مهمة نحو تحقيق التشغيل الأمثل لشبكات التوزيع الكهربائية في مصر، بما يتماشى مع التوجّه العالمي نحو الطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة الطاقة.
وأضاف: "التوليد الموزع ليس مجرد تقنية، بل هو توجّه إستراتيجي نحو مستقبل كهربائي أكثر مرونة واستدامة، يسهم في خفض الانبعاثات وتحسين موثوقية شبكات الكهرباء على المدى الطويل".
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..



0 تعليق