أنس الحجي: وكالة الطاقة الدولية تُصدر مبالغات وليس توقعات.. وترمب سبب التناقضات - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشهد أسواق الطاقة العالمية حالة من الجدل عقب صدور أحدث تقرير عن وكالة الطاقة الدولية، أثار انتقادات واسعة بسبب ما وصفه محللون بـ"المبالغات غير المنطقية" في تقديرات العرض والطلب على النفط.

وفي هذا السياق، أوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن تقارير الوكالة تتضمن تناقضات صارخة مع واقع الأسواق ومع بيانات المؤسسات الرسمية الأخرى، ما يُفقدها المصداقية التي تدّعيها منذ سنوات.

وأضاف أن الفجوة الكبيرة بين أرقام وكالة الطاقة الدولية وأرقام منظمة أوبك باتت تثير تساؤلات حول أهداف الوكالة، خصوصًا بعدما خفّضت توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط إلى نحو 700 ألف برميل يوميًا فقط خلال عامي 2025 و2026.

وأشار إلى أن الإعلام الغربي يتعامل بانتقاء مع هذه التقارير، إذ يتجاهل أخطاء وكالة الطاقة الدولية المستمرة منذ أكثر من 18 عامًا، في حين يضخّم أيّ تصريحات تصدر عن "أوبك" أو السعودية.

جاءت هذه التصريحات خلال حلقة جديدة من البرنامج الأسبوعي "أنسيات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا) بعنوان: "أثر المخزون والطاقة الإنتاجية الفائضة في أسواق الطاقة العالمية".

فروقات كبيرة بين أوبك ووكالة الطاقة الدولية

أكد أنس الحجي أن مقارنة بسيطة بين تقرير أوبك الشهري وتقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير تُظهر حجم التناقض في تقديرات الطرفين، إذ تتوقع "أوبك" أن ينمو الطلب على النفط بنحو 1.3 مليون برميل يوميًا هذا العام، أي ضعف ما تتوقعه الوكالة الدولية.

وأوضح أن هذه الفروقات ليست جديدة، إذ أخطأت الوكالة في جميع توقعاتها تقريبًا خلال السنوات الـ18 الماضية، وكانت أرقامها دائمًا أقل من الواقع، ما يجعل اعتمادها في التحليل الاقتصادي أو الاستثماري أمرًا محفوفًا بالمخاطر.

وأشار إلى أن الغريب في تقارير وكالة الطاقة الدولية الأخيرة هو ادّعاؤها بأن فائض المعروض النفطي العام المقبل سيبلغ 4 ملايين برميل يوميًا، وهو رقم غير منطقي إطلاقًا لعدم وجود طاقات تخزينية عالمية تستوعب مليارًا ونصف مليار برميل إضافي خلال عام واحد.

وكالة الطاقة الدولية

وتساءل أنس الحجي مستنكرًا: "إذا كانت الخزانات ممتلئة ولا توجد أماكن لتخزين هذا الفائض، فأين ستذهب هذه الكميات الهائلة؟"، مؤكدًا أن الوكالة تطرح تقديراتها دون أيّ أساس عملي أو واقعي.

وبيّن أن أحد أسباب التضليل هو اعتماد وسائل الإعلام الغربية على تقارير وكالة الطاقة الدولية دون تمحيص، في حين يجري التشكيك الدائم في بيانات أوبك رغم دقّتها واتّساقها التاريخي.

وأضاف أن هذا السلوك الإعلامي -خاصة من جانب بلومبرغ ورويترز- يسهم في تشويه صورة السوق النفطية، ويعزز التوجهات السياسية لبعض الدول التي ترغب في خفض الأسعار لأسباب اقتصادية داخلية.

ولفت إلى أن أبرز هذه الدول هي الولايات المتحدة، التي ترى في انخفاض أسعار النفط وسيلة لخفض التضخم الناتج عن سياسات الحروب التجارية والتعرفات الجمركية خلال عهد الرئيس دونالد ترمب.

تناقضات وتبريرات واهية

يرى أنس الحجي أن وكالة الطاقة الدولية تبرّر تقديراتها بزيادة إنتاج دول خارج أوبك، وهو تفسير "ساذج"، إذ لا يمكن لأيّ شركة إنتاج أن تزيد من عملياتها في ظل توقعات بانهيار أسعار النفط.

وكشف أنه خلال زيارته إلى ولاية أوكلاهوما الأميركية، أكد له أحد المهندسين المشرفين على الحقول أن الشركات لن تفتح الآبار الجديدة ما دامت الأسعار حول 55 دولارًا للبرميل، ما يعني أن فرضية زيادة الإنتاج من خارج أوبك غير قابلة للتحقق.

وأضاف أن الوكالة تتحدث عن طفرة في إنتاج النفط الأميركي، في حين إن البيانات الرسمية تُظهر أن معظم الزيادة الأخيرة ذهبت إلى المخزون الإستراتيجي، وليس إلى السوق الفعلية، وهو ما يُفنّد ادّعاءات وكالة الطاقة الدولية بشأن زيادة المعروض.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - الصورة من سي إن إن

وأشار أنس الحجي إلى أن الإعلام لا يواجه الوكالة بهذه الأسئلة الجوهرية، ولا يتعامل مع تناقضاتها الواضحة، وكأن هناك تواطؤًا مقصودًا لخدمة خطة سياسية تسعى لإرضاء الإدارة الأميركية السابقة.

وأوضح أن ترمب كان دائمًا يضغط من أجل خفض أسعار النفط لمواجهة التضخم، حتى إن كان ذلك عبر دعم سرديات وكالة الطاقة الدولية المضلّلة حول تراجع الطلب العالمي.

وبيّن أن الوكالة تبني تقديراتها أيضًا على افتراضات غير دقيقة حول انتشار السيارات الكهربائية، مدّعيةً أنها تسببت في انخفاض الطلب على النفط بشكل حادّ.

غير أن الحجي يرى أن هذا الطرح بعيد عن الواقع، إذ تشير البيانات إلى أن أثر السيارات الكهربائية في الطلب العالمي لا يتجاوز 1.3 مليون برميل يوميًا، مقابل إجمالي طلب عالمي يبلغ 108 ملايين برميل يوميًا.

فساد الأرقام الصينية ومصدر التضليل

تحدَّث أنس الحجي مطولًا عن مشكلة الاعتماد على الأرقام الصينية في تقارير وكالة الطاقة الدولية، مشيرًا إلى أن كثيرًا من بيانات مبيعات السيارات الكهربائية في الصين مضخّمة ومشكوك بصحّتها.

وأوضح أن الفساد الإداري في منظومة الدعم الصينية أدى إلى تضخيم أعداد السيارات المسجلة عبر ممارسات احتيالية مثل تصفير العدّادات أو إعادة تسجيل السيارات القديمة بأنها جديدة للحصول على الإعانات.

وأشار إلى أن بعض المصانع الصينية تتلاعب في الأرقام عبر تسجيل السيارات المُعدّة للتصدير على أنها مبيعة داخل الصين، ثم تصدّرها بعد ذلك إلى أوروبا، لتُحتسب المبيعات مرتين، وتُقدّم بيانات مغلوطة لوكالة الطاقة الدولية.

كما كشف أسلوبًا آخر للتلاعب، إذ تؤسس الشركات شركات وهمية تابعة لأقاربها لتسجيل السيارات في الدفاتر مبيعات داخلية وهمية، بهدف تحصيل الدعم الحكومي دون أن تتحرك المركبات فعليًا من المخازن.

السيارات الكهربائية الصينية في الجمارك تنتظر إجراءت التصدير
السيارات الكهربائية الصينية في الجمارك تنتظر إجراءات التصدير - الصورة من car news china

وبيّن أنس الحجي أن هذه الممارسات رفعت مخزون السيارات الكهربائية غير المبيعة بشكل كبير، بينما تظهر في سجلات الدولة كأنها سيارات تسير في الطرقات.

وأكد أن وكالة الطاقة الدولية تتعامل مع هذه الأرقام بأنها واقعية، وتستنتج منها انخفاضًا في الطلب العالمي على النفط، رغم أن المعطيات الفعلية لا تدعم هذا الادّعاء إطلاقًا.

وختم الحجي تصريحاته بتأكيد أن مثل هذه الأخطاء والتناقضات تجعل من تقارير وكالة الطاقة الدولية أقرب إلى "مقالات رأي سياسية" منها إلى دراسات فنية موثوقة في عالم الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق