اتفاق غزة على حافة الانفجار.. بين فخاخ نتنياهو وحسابات حماس المعقدة - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتصاعد المخاوف من أن تؤدي الحسابات السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى جانب تصرفات بعض عناصر حماس الميدانية، إلى تقويض ما تحقق من تقدم في اتفاق غزة، بينما يسارع الوسطاء لاستكمال المرحلة الثانية من الاتفاق التي تواجه تحديات كبيرة، أبرزها ملف نزع سلاح الحركة.

وفي الوقت الذي تراهن فيه الأطراف الوسيطة على تثبيت وقف إطلاق النار وتهيئة الأجواء لإعادة الإعمار، تظهر في الأفق بوادر مقلقة من تصعيد إسرائيلي متكرر في جباليا والمناطق الشرقية لخان يونس وغزة، بالتوازي مع خروقات أمنية تُنسب إلى عناصر متشددة داخل حماس، ما يجعل مصير الاتفاق مرهونًا بقدرة الطرفين على ضبط سلوكهما الميداني والسياسي.

يواجه نتنياهو من جانبه انقسامات عميقة داخل تحالفه اليميني المتشدد؛ فبينما أبدى موافقته على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يواجه معارضة من وزراء مثل بن غفير وسموتريتش الذين يرفضون أي اتفاق يُبقي حماس في المشهد ويوقف العمليات العسكرية، في حين تثير تقارير عن إعدامات تنفذها الحركة بحق فلسطينيين بتهم التخابر مع إسرائيل قلقًا واسعًا داخل القطاع وخارجه.

وتعرض اتفاق وقف إطلاق النار الذي استمر عشرة أيام لهزة قوية بعد مقتل جنديين إسرائيليين الأحد الماضي، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى شن غارات جوية عنيفة أسفرت عن مقتل 44 فلسطينيًا، بينما نفت حماس مسؤوليتها عن الهجوم.

ويرى محللون أن اتفاق غزة يمر بمرحلة اختبار حقيقي، فنتنياهو يتعامل معه كتكتيك سياسي لتخفيف الضغوط الدولية والداخلية أكثر من كونه التزامًا استراتيجيًا نحو تسوية دائمة، فيما تتصرف بعض الفصائل الميدانية التابعة لحماس بشكل منفلت، الأمر الذي يمنح تل أبيب مبررات لتجميد المسار السياسي.

ترامب: اتفاق غزة أهم صفقة سلام في التاريخ

من جانبه أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن غزة يُعدّ “أهم صفقة سلام على الإطلاق”، معربًا عن ثقته بأن وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ “سيصمد”، لأن الطرفين – إسرائيل وحماس – “تعبا من القتال”.

وخلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، كشف ترامب عن رؤيته المستقبلية للقطاع، مشيرًا إلى إنشاء ما يسمى بـ”مجلس السلام” لإدارة الوضع في غزة ومتابعة تنفيذ الاتفاق، موضحًا أنه طُلب منه شخصيًا رئاسة هذا المجلس.

وأعرب ترامب عن أمله في تحقيق سلام دائم بالتوازي مع جهود إعادة إعمار غزة، بمشاركة دول عربية “ثرية” ستساهم بجزء من ثرواتها لدعم إعادة البناء. 

 

حماس: مصممون على إنجاح اتفاق غزة والالتزام به حتى النهاية

فيما أكد القيادي في حركة حماس خليل الحيّة، أن الحركة ماضية في تنفيذ اتفاق غزة حتى نهايته، قائلاً: "نحن مصممون على المضي في الاتفاق إلى نهايته، وإرادتنا بالالتزام به قوية".

وأوضح الحيّة أن الاتفاق سيصمد لأن جميع الأطراف تمتلك الإرادة لإنجاحه، مشيداً بالدور الكبير الذي لعبه الوسطاء في مصر وقطر وتركيا، إلى جانب الجهد الدولي الذي أسهم في التوصل إليه. وأضاف أن "الإرادة الدولية والتظاهرة الكبرى التي رعتها مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هي الضمانة لأن الحرب في غزة قد انتهت".

وفيما يتعلق بملف جثامين الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة، أشار الحيّة إلى أن حماس جادة في استخراج وتسليم الجثامين وفق ما ورد في الاتفاق، مؤكداً أن الحركة لا ترغب في الاحتفاظ بأي جثمان، وأن الهدف هو تمكين كل طرف من دفن موتاه بكرامة. 

لكنه أوضح أن العملية تواجه صعوبات كبيرة بسبب الدمار الواسع وتغيّر طبيعة الأرض، ما يجعل استخراج الجثامين يحتاج إلى وقت ومعدات ثقيلة، إلا أن "الإرادة والتصميم سيسمحان بإنهاء الملف كاملاً".

كما أكد الحيّة أن إسرائيل التزمت بإدخال الكميات المتفق عليها من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، معرباً عن أمله في تدخل الوسطاء لزيادة حجم المساعدات، خصوصاً في مجالات الإيواء والمستلزمات الطبية قبل حلول فصل الشتاء.

خروقات محدودة

وأوضح أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية ورئيس وحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية في مركز دراسات الشرق الأوسط، الدكتور طارق فهمي، أن المرحلة الحالية من الاتفاق شهدت خروقات محدودة من الجانبين، وهي متوقعة في مثل هذه الاتفاقات الحساسة. 

وأكد أن تلك التجاوزات لا تعني انهيار الاتفاق، بل تعكس صعوبة ضبط الوضع الميداني وتعدد القوى الفاعلة على الأرض.

وأشار فهمي إلى أن الجانبين يختبران مدى التزام كل طرف ببنود الاتفاق، لافتًا إلى أن المتابعة الدقيقة من الوسطاء الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة ومصر وقطر، تُعد عاملًا رئيسيًا في منع تفاقم الخروقات. 

وأضاف أن واشنطن تعتبر الاتفاق اختبارًا لمصداقيتها، ولن تسمح بانهياره بعد أن وضعت ثقلها السياسي فيه، موضحًا أن زيارة نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إلى إسرائيل تعكس الاهتمام الأميركي المباشر بتثبيت الاتفاق.

وونقلت وسائل إعلام عن مسؤولين في إدارة ترامب قولهم إن البيت الأبيض يبذل جهودًا مكثفة لمنع تجدد الحرب، وسط قلق متزايد من احتمال انسحاب نتنياهو من الاتفاق أو العمل على تقويضه.

 وأكدت مصادر عبرية أن المبعوثين الأميركيين جاريد كوشنر وستيف ويتكوف شددا على ضرورة التزام نتنياهو بالاتفاق، ملوّحين بأن أي خطوة من شأنها تعريضه للخطر ستكون "مرفوضة".

وشدد فهمي على أن "إدارة ترامب لن تسمح بإفشال الاتفاق رغم وجود أطراف من الجانبين تسعى لذلك، سواء داخل حماس أو في أوساط اليمين الإسرائيلي".

تحركات دبلوماسية مكثفة

تزامنًا مع زيارة فانس إلى تل أبيب، توجه رئيس المخابرات العامة المصرية حسن رشاد إلى إسرائيل لعقد اجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين والمبعوث الأميركي ويتكوف، في إطار مساعي تثبيت وقف إطلاق النار. 

كما التقى رشاد بنتنياهو لبحث خطة الرئيس الأميركي المتعلقة بغزة والعلاقات المصرية الإسرائيلية.

وفي بيان لمكتب نتنياهو، أُشير إلى أن الجانبين ناقشا تعزيز التعاون ودفع خطة ترامب إلى الأمام، بينما أكد فانس أن وقف إطلاق النار يسير "أفضل من المتوقع"، مشيرًا إلى تفاؤله بصموده، في وقت هدّد فيه ترامب حماس باستخدام القوة إذا "أساءت التصرف".

اتفاق هش ومخاوف متصاعدة

من جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية والشرق أوسطية حسن مرهج، إن الاتفاق بين إسرائيل وحماس "هش ومتقلب"، لأن الطرفين يفتقدان الثقة ويتصرفان أحيانًا بشكل متسرع قد يؤدي إلى انهياره والعودة إلى نقطة الصفر. 

وأوضح أن الضغوط الأميركية أجبرت نتنياهو على كبح تصعيده العسكري، لكن في المقابل تشهد غزة اضطرابات داخلية وعمليات إعدام بحق متهمين بالتخابر، ما يزيد من هشاشة الوضع الأمني.

وأشار مرهج إلى أن حماس تحاول إعادة فرض سيطرتها الأمنية خشية الفوضى الداخلية، بينما تسعى إسرائيل إلى الحد من نفوذ الحركة ومنعها من إعادة بناء قدراتها العسكرية، ما يجعل استمرار الاتفاق مرهونًا بضغوط إقليمية ودولية مكثفة.

وأضاف أن "سياسات نتنياهو وحكومته اليمينية تشكل الخطر الأكبر على الاتفاق، فالتوجهات المتشددة في تل أبيب تدفع نحو تصعيد ميداني وسياسي، ومحاولات نزع سلاح حماس وتهميشها سياسيًا قد تؤدي إلى انهيار التفاهمات في أي لحظة".

مأزق نزع السلاح

بدوره، أكد مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي، والمحلل الفلسطيني عبد المهدي مطاوع، أن نجاح المرحلة الثانية من الاتفاق مرهون بحل قضية نزع سلاح حماس، وهو ملف بالغ التعقيد.

 وأوضح أن المكتب السياسي للحركة قد يوافق مبدئيًا على الفكرة، لكن تطبيقها ميدانيًا سيواجه مقاومة كبيرة داخل غزة.

وأضاف مطاوع أن نزع السلاح قد يتحقق فقط إذا حصلت حماس على ضمانات سياسية واضحة تضمن مستقبلها بعد الحرب، لكن القضية تبقى "حصان طروادة" للطرفين، إذ يستخدمها كل منهما لتحقيق مكاسب سياسية دون تقديم تنازلات حقيقية.

وأشار إلى أن نتنياهو لا يُظهر أي استعداد لتقديم مرونة في ظل اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، بينما ترى حماس أن بقاءها مسيطرة على جزء من القطاع يُعد إنجازًا سياسيًا ومعنويًا، ما يعمق حالة الجمود ويجعل الاتفاق عالقًا في مرحلته الأولى دون تقدم حقيقي.

 

في المحصلة، يقف اتفاق غزة اليوم على مفترق طرق حاسم، إذ تحاصره تعقيدات السياسة الإسرائيلية وحسابات حماس الداخلية، وسط ضغوط أميركية وإقليمية متواصلة للحفاظ على خيوط الهدوء الهشة. 

وبينما تسعى واشنطن ومصر وقطر لتثبيت وقف إطلاق النار وتهيئة الأجواء لمرحلة إعادة الإعمار، يظل الاتفاق مهددًا بالانهيار في أي لحظة بفعل الانقسامات داخل حكومة نتنياهو، والتوترات الأمنية في القطاع، وتحدي نزع السلاح الذي يشكل العقبة الأكبر أمام أي تسوية دائمة. 

ومع غياب الثقة المتبادلة بين الطرفين، يبدو أن مستقبل الاتفاق سيُحسم بقدرة الوسطاء على كبح التصعيد وتحويل الهدنة المؤقتة إلى سلام مستدام يخرج غزة من دائرة النار إلى أفق الاستقرار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق