لم تكن "الطالبة الشابة" تتوقع أن حلمها بالسفر إلى الخارج سيتحول إلى كابوس إلكتروني، تقف خلفه يد ماهرة في الخداع.
بدأ الأمر برسالة ودّية على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، سرعان ما تحولت إلى وعدٍ مغرٍ من شخصٍ قدّم نفسه على أنه ضابط شرطة قادر على مساعدتها في استخراج تأشيرة سفر وتذاكر طيران لإحدى الدول.
بثقة المطمئن لمن يحمل "الزي الرسمي"، صدّقت الفتاة حديثه، وأرسلت له المبلغ المتفق عليه ظنًا منها أن حلم السفر بات قريب المنال، لكن الصدمة الكبرى كانت عندما اختفى صاحب الحساب، وأغلقت كل وسائل التواصل معه، لتكتشف أنها كانت ضحية احتيال إلكتروني محكم.
لم تتردد الفتاة، فتوجهت إلى قسم شرطة أوسيم بمحافظة الجيزة لتقديم بلاغ رسمي ضد مجهول، ومن هنا بدأت فصول التحقيق، فقد تحركت الإدارة العامة لمباحث الإنترنت بسرعة، بالتنسيق مع مديرية أمن الجيزة، وبدأت في تتبع الحسابات الإلكترونية والأرقام المستخدمة في التواصل، وبعد سلسلة من التحريات الفنية الدقيقة، تم تحديد هوية المتهم وضبطه في محافظة المنيا.
وخلال التفتيش، عثرت الأجهزة الأمنية بحوزته على هاتف محمول يحوي محادثات وأدلة رقمية تثبت تورطه في عمليات نصب واحتيال إلكتروني على ضحايا آخرين، مستخدمًا نفس الأسلوب في انتحال صفة ضابط لإضفاء المصداقية على أكاذيبه.
وفي التحقيقات، اعترف المتهم بتفاصيل جريمته، موضحًا أنه لجأ لهذا الأسلوب لاستغلال ثقة الفتيات في رمزية “الزي الأمني”، وتحقيق مكاسب مالية سريعة عبر الإنترنت.
تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه، وأُحيل إلى النيابة العامة التي باشرت التحقيق، تمهيدًا لتقديمه للمحاكمة بتهم النصب وانتحال صفة موظف عام.
وهكذا تنتهي القصة التي بدأت بوعدٍ بالسفر وانتهت بدرسٍ قاسٍ في الحذر من فخاخ الاحتيال الإلكتروني التي تتخذ من العالم الافتراضي مسرحًا لجريمة حقيقية.
عقوبة انتحال صفة شرطي
أكد الخبير القانوني المستشار (أحمد رشوان) أن جريمة انتحال صفة ضابط شرطة تُعد من الجرائم الجسيمة التي تمس الثقة في مؤسسات الدولة وهيبتها، مشيرًا إلى أن القانون المصري يتعامل معها بحزم شديد لما تمثله من خطر على الأمن العام والمواطنين.
وأوضح أن المادة (155) من قانون العقوبات تنص على أن كل من تَزيا بزي رسمي أو تقلّد علنًا علامة أو وسامًا أو صفة تخص وظيفة عامة من دون حق، يُعاقب بالحبس مدة قد تصل إلى ثلاث سنوات، وقد تشدد العقوبة إذا استُخدمت الصفة لتحقيق منافع مادية أو للإضرار بالغير.
وأضاف ”رشوان” أن انتحال صفة ضابط عبر وسائل التواصل الاجتماعي يندرج أيضًا تحت جرائم الاحتيال الإلكتروني، وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، الذي يعاقب كل من استخدم شبكة معلوماتية للاحتيال أو النصب أو انتحال صفة بالسجن الذي قد يصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى 300 ألف جنيه.
وأشار الخبير القانوني إلى أن الجريمة مركبة في هذه الحالة، لأنها تجمع بين انتحال صفة موظف عام والنصب الإلكتروني، ما يجعل العقوبة مشددّة حال ثبوت القصد الجنائي والاستيلاء على أموال الغير.
وختم تصريحه بالتنويه إلى أن مثل هذه الجرائم “تؤثر على ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وتستوجب سرعة الإبلاغ عن أي شخص يدّعي امتلاكه صلاحيات أمنية أو حكومية عبر الإنترنت، حتى لا تتكرر مثل هذه الوقائع التي تستغل طيبة البعض وحلمهم بالسفر أو الوظيفة”.
0 تعليق