تشهد مصر في السنوات الأخيرة ثورة حقيقية في الأمن الغذائي، تقودها مشروعات قومية ضخمة تمثل تحولًا نوعيًا في مفهوم التنمية المستدامة، وفي مقدمتها مشروع "مستقبل مصر" للتنمية الزراعية، الذي أصبح أيقونة للنمو المتكامل بين الزراعة والصناعة، ومثالًا حيًا على قدرة الدولة على تحويل الصحراء إلى واحات للإنتاج والتصنيع الغذائي.
مشروع "مستقبل مصر".. قاطرة الأمن الغذائي
يعد مشروع "مستقبل مصر" للتنمية المستدامة أحد أهم المشروعات القومية التي أطلقتها الدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويجسد رؤية "الجمهورية الجديدة" القائمة على العمل والإنتاج والمعرفة.
ولا يهدف المشروع فقط لزيادة الرقعة الزراعية بل إلى تأسيس منظومة متكاملة من الإنتاج الزراعي والتصنيع الغذائي والتنمية العمرانية، بما يعزز الاكتفاء الذاتي ويقلل فاتورة الاستيراد التي تصل إلى نحو 20 مليار دولار سنويًا.
وفي خطوة حاسمة نحو تحقيق هذا الهدف، تسابق الحكومة الزمن لإضافة 300 ألف فدان جديدة قبل نهاية العام الحالي، ضمن خطة لرفع المساحات المنزرعة إلى أكثر من 13 مليون فدان بحلول عام 2030. ويأتي ذلك مدعومًا باستثمارات تقدر بنحو 300 مليار جنيه لتحويل الأراضي الصحراوية إلى مناطق إنتاجية متكاملة.

توسع زراعي غير مسبوق
كما تتضمن خطة التوسع الزراعي استصلاح 4.5 ملايين فدان جديدة حتى 2027، عبر مشروعات قومية كبرى مثل الدلتا الجديدة وتوشكى بجانب مشروع مستقبل مصر، وهي مشروعات تعتمد على أحدث نظم الري الحديثة وحفر أكثر من 5 آلاف بئر وإنشاء قنوات تصريف بطول 600 كيلومتر لضمان كفاءة استخدام المياه بنسبة تزيد 20% عن الطرق التقليدية.
ويغطي مشروع مستقبل مصر 2.2 مليون فدان على طريق روض الفرج – الضبعة، وتم استصلاح 350 ألف فدان باستخدام أجهزة ري محوري حديثة سمحت بزراعة القمح والبنجر والبطاطس، إلى جانب تشغيل أول مدينة صناعية داخل المشروع بتكلفة 8 مليارات جنيه تشمل مصانع للتصنيع الغذائي وصوامع تخزين بسعة 100 ألف طن.
التصنيع الزراعي
وترتكز استراتيجية الدولة على الربط بين الإنتاج الزراعي والتصنيع الغذائي، لزيادة القيمة المضافة وخلق فرص عمل جديدة فيهدف المشروع لتوفير 10 آلاف فرصة عمل مباشرة و360 ألف فرصة غير مباشرة، ويشمل إقامة مزارع تسمين لـ18 ألف رأس ماشية، ما يقلل واردات اللحوم بنسبة تصل إلى 50%.
كما تستثمر الدولة 190 مليار جنيه في محطات معالجة مياه الصرف الزراعي مثل محطة البرلس التي تعالج 5.6 ملايين متر مكعب يوميًا، ما يسمح بإعادة استخدام 7.5 ملايين متر مكعب يوميًا في الري، إضافة إلى استخدام نظم الري الحديث في 4 ملايين فدان لتقليل استهلاك المياه والطاقة بنسبة 28%.
شراكات دولية
ولم تقتصر الجهود على الداخل فقط، بل امتدت إلى التعاون الدولي. فقد وقعت مصر اتفاقيات مع الصين والسعودية لإنشاء صوامع وتوسيع مشروعات الزراعة الذكية، مما يعزز الصادرات الزراعية لتتجاوز 10 مليارات دولار في 2025، كما تعمل مصر على تعزيز الأمن الغذائي العربي المشترك من خلال مشروعات استراتيجية ومخازن إقليمية للطوارئ الغذائية.
دعم الابتكار والشباب
وفي إطار رؤية مصر 2030، تخصص الدولة ما بين 70 إلى 75% من الاستثمارات العامة للمشروعات الخضراء، مع فتح المجال أمام القطاع الخاص لتغطية 66% من إجمالي الاستثمارات في مجالات الزراعة الذكية والري الحديث.
كما أطلقت وزارة الزراعة برامج تمويل بقيمة 9.2 مليارات جنيه لدعم المزارعين الشباب، وتعمل على تنفيذ مشروع 100 ألف صوبة زراعية لتوفير الخضروات والفواكه على مدار العام.
0 تعليق