أصبح البروتين كلمة السر في عالم التغذية الحديثة، واحتل مكانة بارزة على رفوف المتاجر والمقاهي. فاليوم لا يخلو أي سوبر ماركت من منتجات تحمل عبارة «غني بالبروتين»؛ من الحبوب والمكرونة إلى المشروبات والزبادي.
لكن رغم هذه الشعبية الكبيرة، تتزايد التساؤلات: هل الإفراط في تناول البروتين مفيد للجسم كما يُشاع؟ أم أن هناك جانباً مظلماً يخفيه هذا الاتجاه الغذائي الجديد؟
لماذا تحول البروتين إلى “موضة غذائية”؟
تستند شعبية البروتين إلى العديد من الدراسات التي أثبتت دوره في خسارة الوزن وبناء العضلات وكبح الشهية.
وبحسب تقرير لصحيفة التلغراف البريطانية، توصلت إحدى الدراسات إلى أن الأشخاص الذين اتبعوا نظاماً غذائياً عالي البروتين فقدوا أكثر من نصف دهون أجسامهم مقارنة بمن تناولوا كميات أقل، رغم أن المجموعتين استهلكتا نفس عدد السعرات الحرارية.
وأظهرت دراسة أخرى أن رفع نسبة البروتين من 15% إلى 30% من إجمالي السعرات اليومية جعل المشاركين يتناولون 441 سعرة حرارية أقل يومياً دون جهد أو حرمان، وهو ما يؤكد تأثير البروتين المباشر في الشعور بالشبع وتقليل الرغبة في تناول الطعام.
الوجه الآخر.. عندما يتحول البروتين إلى خطر
رغم فوائده الواضحة، لا يخلو الإفراط في تناول البروتين من مخاطر.
فقد كشفت دراسة من جامعة شيكاغو أن الالتزام بنظام غذائي عالي البروتين لمدة ستة أسابيع فقط قد يؤدي إلى زيادة احتمالية الإصابة بحصوات الكلى ويضعف قدرة الجسم على امتصاص الكالسيوم، مما يرفع خطر هشاشة العظام على المدى الطويل.
وحذّر الدكتور تي كولين كامبل، مؤلف كتاب “مستقبل التغذية”، من أن الإفراط في تناول البروتين الحيواني (كاللحوم والبيض ومنتجات الألبان) قد يزيد من خطر الإصابة بالسرطان والسكري، مشدداً على أهمية التوازن وتنوع المصادر الغذائية.
ما الكمية التي يحتاجها الجسم فعلاً؟
وفق مؤسسة التغذية البريطانية، تختلف الاحتياجات اليومية من البروتين حسب العمر ومستوى النشاط البدني، لكن الدكتورة كلير بيلي مؤلفة كتاب “The Fast 800 Keto Recipe Book” تؤكد أن معظم الأشخاص لا يتناولون ما يكفي منه.
وتوضح بيلي أن الكمية المثالية تتراوح بين 100 و120 غراماً يومياً، مشيرة إلى أن البروتين ضروري لدعم المناعة، وبناء العظام والعضلات، وتحفيز الأيض، والحفاظ على وزن صحي.
وأضافت أن الجسم لا يخزن البروتين كما يخزن الدهون أو الكربوهيدرات، لذا لا بد من تناوله يومياً بكميات كافية.
هل يمكن أن يسبب البروتين الزائد مشكلات صحية؟
ترى عالمة الكيمياء الحيوية الفرنسية جيسي إنشوسبيه، مؤسسة مشروع “Glucose Goddess”، أن الخوف من البروتين مبالغ فيه، وتؤكد أن «الغالبية العظمى من الناس لا تصل حتى إلى المستويات المطلوبة».
أما البروفيسور تيم سبيكتور، الخبير في علم الميكروبيوم والتغذية، فيوضح أن الجسم يمكنه التعامل مع ضعف الكمية الموصى بها دون ضرر، مشيراً إلى أن «المشكلة لا تظهر إلا عند تناول أربعة أو خمسة أضعاف الكمية الطبيعية، وهو أمر نادر الحدوث».
وأضاف: «إذا تناولت كمية أكبر من حاجة جسمك، فسيتم التخلص منها في البول، أو تخزينها كدهون».
لماذا يزداد احتياجنا للبروتين مع التقدم في العمر؟
تتراجع الكتلة العضلية تدريجياً بعد سن الخمسين، وهو ما يجعل البروتين أكثر أهمية مع التقدم في العمر.
وأظهرت دراسة مبادرة صحة المرأة (Women’s Health Initiative) أن النساء اللاتي تناولن نحو 1.2 غرام من البروتين لكل كيلوغرام من وزن الجسم يومياً انخفضت لديهن احتمالية الإصابة بالوهن بنسبة 32% وتحسنت لديهن القوة البدنية بشكل ملحوظ.
وتشير بيلي إلى أن البروتين الإضافي ضروري للنساء خلال فترة انقطاع الطمث، إذ يساعد في تحسين الأعراض ودعم التوازن الهرموني. كما أنه أساسي للحوامل والرياضيين والمسنين الذين يفقدون الشهية أو الكتلة العضلية مع الوقت.
البروتين سلاح فعال ضد الجوع وزيادة الوزن
يساعد البروتين على تنظيم هرمونات الجوع واستقرار مستويات الغلوكوز في الدم.
وتقول إنشوسبيه إن «تناول البروتين بانتظام يجعل مستويات السكر أكثر استقراراً، ويزيد من الشعور بالشبع، ويقلل الرغبة في تناول السكريات والنشويات».
من جانبها، ترى بيلي أن «الخطأ الأكبر هو الاعتماد على الأطعمة المصنعة والحلوى بدلاً من البروتينات عالية الجودة من مصادر طبيعية مثل البيض، والسمك، والبقوليات، والمكسرات».
خلاصة القول.. التوازن هو المفتاح
رغم التناقض في الدراسات والآراء، يتفق العلماء على أن البروتين ضروري للحياة، لكن الكثرة المفرطة قد تتحول إلى عبء على الكلى والعظام.
الحل ليس في تقليله أو الإفراط فيه، بل في التوازن وتنوع المصادر بين الحيوانية والنباتية، والحرص على جعله جزءاً من نظام غذائي صحي شامل.
فالبروتين ليس “معجزة غذائية” كما يُروج له أحياناً، لكنه ركيزة أساسية لو تم تناولها بوعي واعتدال.
0 تعليق