03:37 م - الخميس 16 أكتوبر 2025
0

تشهد البنوك الأميركية الكبرى مرحلة من الانتعاش المالي اللافت، إذ تعود وول ستريت إلى واجهة النشاط المصرفي العالمي بعد فترة من التباطؤ والحذر. فقد أظهرت نتائج الربع الثالث من عام 2025 أداءً قويًا للبنوك الاستثمارية الكبرى، وسط تفاؤل متزايد بمرونة الاقتصاد الأميركي واستمرار الإنفاق الاستهلاكي، إلا أن هذا الازدهار يرافقه تحذيرات متصاعدة من فقاعة ائتمان محتملة قد تهدد استقرار النظام المالي في حال انفجارها.
أداء مالي قياسي للبنوك الأميركية الكبرى
أعلنت مؤسسات مصرفية رائدة مثل جي بي مورغان تشيس، وغولدمان ساكس، وسيتي غروب عن نتائج مالية قوية تجاوزت توقعات المحللين، مدفوعة بانتعاش أنشطة الخدمات المصرفية الاستثمارية والتداول.
جي بي مورغان تشيس: سجل ارتفاعًا في صافي الدخل بنسبة 12% ليصل إلى 14.3 مليار دولار مقارنة بالعام السابق.
غولدمان ساكس: حقق قفزة في الأرباح بلغت 37% ليصل صافي الدخل إلى 4.1 مليار دولار.
سيتي غروب: ارتفعت أرباحه بنسبة 18% لتصل إلى 3.5 مليار دولار.
كما أظهرت البيانات ارتفاع إيرادات التداول والخدمات المصرفية الاستثمارية بنسبة لا تقل عن 12% في جميع البنوك الثلاثة، في مؤشر على استعادة القطاع لنشاطه بعد تباطؤ استمر أكثر من عامين.
ويرى مصرفيون أن البيئة التنظيمية الأكثر مرونة تحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى جانب توقعات خفض أسعار الفائدة، قد تشكل دافعًا إضافيًا لموجة جديدة من الصفقات وعمليات الدمج والاستحواذ خلال العامين المقبلين.
تحذيرات من فقاعة ائتمان وتراكم المخاطر
رغم المؤشرات الإيجابية، تلوح في الأفق مخاطر متنامية مرتبطة بارتفاع مستويات الديون وتشديد السياسات النقدية خلال العامين الماضيين.
وفي هذا السياق، حذّر جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، من تضخم الديون الأميركية وازدياد حالات التعثر في السداد، لا سيما في بطاقات الائتمان وديون الشركات.
وأكد جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، أن السوق الأميركية تُظهر ملامح واضحة لـ"فقاعة ائتمان"، مشيرًا إلى أن البنوك بدأت تكوين مخصصات إضافية تحسبًا لخسائر محتملة نتيجة ارتفاع معدلات التعثر.
وأضاف أن استمرار ارتفاع الفائدة قد يؤدي إلى ضغوط هيكلية على النظام المالي، رغم توقعات بخفض تدريجي للفائدة بمقدار 50 نقطة أساس خلال العام الجاري ثم عام 2026، ما قد يمنح الأسواق استراحة مؤقتة.
ويرى المحللون أن أي تباطؤ اقتصادي مفاجئ قد ينعكس سلبًا على الأفراد والشركات، خاصة مع تجاوز ديون الأسر الأميركية حاجز تريليوني دولار وارتفاع تكلفة الاقتراض التجاري إلى مستويات غير مسبوقة.
تفاؤل حذر واستمرار مرونة الاقتصاد
على الجانب الآخر، تظهر بعض التقارير قدراً من التفاؤل الحذر بشأن استمرار قوة الاقتصاد الأميركي.
فقد ذكرت وكالة رويترز أن كبار المصرفيين في وول ستريت يتوقعون استمرار الزخم الاستثماري حتى نهاية 2025، مدعومين بارتفاع أسواق الأسهم وصمود الإنفاق الاستهلاكي، رغم التحذيرات من أن أسعار الأصول قد تكون مرتفعة بشكل غير مستدام.
كما أكدت جين فريزر، الرئيسة التنفيذية لمجموعة سيتي غروب، أن الاقتصاد العالمي أظهر مرونة استثنائية، تقودها الولايات المتحدة بفضل الإنفاق القوي والاستثمارات التكنولوجية المتنامية.
وفي السياق نفسه، أوضح مايك سانتوماسيمو، المدير المالي لبنك ويلز فارجو، أن بيئة الصفقات والطرح العام الأولي أصبحت أكثر نشاطًا، بينما وصف جيريمي بارنوم، المدير المالي لـ جي بي مورغان، الربع الحالي بأنه "الأكثر حيوية منذ سنوات" في عمليات الاندماج والاستحواذ.
تبدو البنوك الأميركية اليوم في مفترق طرق بين ازدهار الأرباح ومخاطر الانكشاف المالي. فمن جهة، يعزز الأداء القوي لعمالقة وول ستريت الثقة في مرونة النظام المصرفي الأميركي، ومن جهة أخرى، تدق مستويات الدين والتقلبات الائتمانية ناقوس الخطر بشأن استدامة هذا النمو.
وفي ظل هذه المعادلة الدقيقة، يبقى التحدي الأكبر أمام الاحتياطي الفيدرالي والإدارة الأميركية هو تحقيق التوازن بين دعم النشاط الاقتصادي واحتواء المخاطر الائتمانية، لتجنب انفجار فقاعة قد تُعيد تشكيل المشهد المالي العالمي بأكمله.
0 تعليق