تتجدد أجواء الحرب التجارية بين أمريكا والصين، مع تصاعد التوترات إثر تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية، في خطوة وصفها المراقبون بأنها “عودة قوية إلى سياسة الضغط الاقتصادي”، لكن الرد الصيني لم يتأخر، حيث أكدت بكين بلهجة حاسمة أنها “مستعدة للقتال حتى النهاية”، لتعيد إشعال فتيل المواجهة بين أكبر اقتصادين في العالم.
في المقابل، بدت الصين واثقة من أوراق قوتها، خصوصا بعد إعلانها فرض قيود صارمة على تصدير المعادن النادرة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في صناعاتها الحساسة، بما في ذلك الصناعات العسكرية والتكنولوجية المتقدمة، وهو ما اعتبرته واشنطن ضربة موجعة في توقيت بالغ الدقة.
المعادن النادرة.. سلاح خفي في يد الصين
تأتي خطوة الصين في إطار مناورة استراتيجية ذكية، إذ تهيمن بكين على أكثر من ثلثي الإنتاج العالمي من المعادن النادرة، التي تعد العمود الفقري لصناعة التكنولوجيا الحديثة، من الشرائح الإلكترونية والهواتف الذكية إلى أنظمة الدفاع والطائرات المقاتلة.

وبهذا التفوق، تمتلك الصين مفتاح الصناعة العالمية في يدها، ما يمنحها قدرة على التأثير المباشر في سلاسل الإمداد الأمريكية، إلى درجة أن بعض المصانع في الولايات المتحدة مهددة فعليا بالتوقف في حال استمرار القيود الصينية على التصدير.
تأثير الحرب التجارية بين أمريكا والصين على أسواق المال
هذه الخطوة انعكست سريعا على الأسواق، حيث شهدت مؤشرات الأسهم والعملات المشفرة تراجعات حادة خلال تعاملات الجمعة الماضية، وسط مخاوف من اتساع نطاق الصراع الاقتصادي بين البلدين، قبل أن يحاول ترامب تهدئة الأجواء بتغريدة قال فيها: “لا تقلقوا على الصين.. الباب مفتوح للحوار”، في إشارة إلى رغبته في إبقاء قنوات التفاهم قائمة.
الصين تظهر “العين الحمرا” لأمريكا
ورغم أن التهديدات المتبادلة بين واشنطن وبكين ليست جديدة، إلا أن ما يميز هذه الجولة هو أن الصين هي من بادرت بالتحرك، مستخدمة سلاحا غير تقليدي يرتبط مباشرة بالأمن الصناعي والتكنولوجي الأمريكي، وتزامن التصعيد مع اقتراب موعد اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأمريكي والصيني في نهاية الشهر الجاري، وهو اللقاء الذي كان يعول عليه لإعادة ضبط العلاقات التجارية المتوترة بين البلدين.

لكن التطورات الأخيرة تطرح تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت الصين قد قررت قلب الطاولة على واشنطن قبل القمة المنتظرة، مستفيدة من ورقتها الذهبية المتمثلة في المعادن النادرة، أم أن هذه الخطوة مجرد ضغط تكتيكي للحصول على تنازلات في الملفات الخلافية الأخرى.
حرب الرسوم الجمركية بين أمريكا والصين
في ضوء هذه التطورات، يبدو أن “حرب الرسوم الجمركية” تتجه نحو طور جديد أكثر تعقيدا، عنوانه “حرب الموارد الاستراتيجية”، فالمعادن النادرة لم تعد مجرد سلعة اقتصادية، بل تحولت إلى أداة نفوذ سياسي وصناعي تمسك بها الصين بإحكام.

وبينما يسعى ترامب لتثبيت صورته كزعيم لا يرضخ للضغوط، تراهن بكين على الزمن وثقة شركائها العالميين لتثبيت موقعها كقوة اقتصادية لا يمكن تجاوزها، وهنا يبقى السؤال: هل تكون هذه المواجهة مقدمة لتفاهم جديد يعيد التوازن بين القوتين؟ أم أنها بداية لحرب تجارية طويلة المدى تُعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي؟.. هذه ما ستكشف عنه القمة المناظرة بين البلدين نهاية الشهر الجاري.
0 تعليق