تُعتبر حرية الاحتجاج حقا مشروعا يضمن للمواطنين التعبير عن آرائهم والمطالبة بحقوقهم؛ غير أن ممارستها تقتضي وعيا بالحدود التي تكفل احترام حق الآخرين في العيش الآمن، وهو ما يستدعي التزام أساليب سلمية ومسؤولة تعكس نضج الوعي المدني للمحتجين وتضمن سلامة الجميع.
وفي هذا الإطار، أكد حقوقيون أن حماية الحق في الاحتجاج لا تتعارض مع صون أمن المواطنين وحماية ممتلكاتهم، مشددين على أن الحرص على الأمن العام يوفّر أساسا قانونيا وأخلاقيا يصون حقوق الجميع، والتعبير السلمي عن المطالب يمثّل ركيزة لتعزيز ثقافة الحوار واحترام الحقوق المتبادلة.
مطلب مشروع وعُنف مرفوض
ياسين بلكجدي، ناشط حقوقي، أبرز أن “ما عرفه المغرب من احتجاجات في الآونة الأخيرة يعكس بوضوح أن هناك فجوة حقيقية بين انتظارات الشعب وسياسات الحكومة، خصوصا في ما يتعلق بقطاعي الصحة والتعليم وفرص العيش الكريم؛ غير أن معالجة هذه الإشكالات لا يمكن أن تتم عبر الفوضى أو العنف، بل عبر الحوار المؤسساتي والتأطير السياسي السليم”.
وأضاف بلكجدي، في تصريح لهسبريس، أن “غياب الدور الحقيقي للأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات أفرغ الساحة من التأطير الضروري، وترك الشباب عرضة للتضليل والاستغلال من جهات مجهولة تستهدف استقرار المغرب ووحدته الوطنية، وما ترتب عن ذلك من أحداث مؤسفة وجرائم مرفوضة لا يعبر عن روح المطالب الاجتماعية بقدر ما يكشف عن خطورة الفراغ التكويني والسياسي”.
وقال الناشط الحقوقي إن “المطالب الاجتماعية المشروعة المرتبطة بالصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية تستحق الاستجابة الجادة والمسؤولة؛ لكننا في المقابل نرفض رفضا قاطعا كل أشكال العنف، سواء كان موجها ضد أبناء الشعب أو ضد القوات العمومية”.
وبعدما شدد المتحدث ذاته أن “العنف لا يولد إلا الفوضى ولا يخدم سوى الأجندات التي تتربص بمسار التنمية الذي انخرط فيه المغرب”، أكّد أن “السبيل الأمثل هو التمسك بالمسار الإصلاحي، وتعزيز دولة المؤسسات، وتوفير فضاءات حقيقية للحوار، بما يضمن صون كرامة المواطن وحماية استقرار الوطن”.
ضرورة وقف الانحراف
وقال محمد رزقاوي، ناشط حقوقي، “لقد نبهنا، منذ بداية حراك شباب ‘جيل Z’ ، إلى خطورة الانفلات المحتمل. كما استنكرنا آنذاك المقاربة الأمنية والتضييق على حرية الاحتجاج والتظاهر السلمي المضمون دستوريا؛ غير أن التطورات الأخيرة تفرض اليوم تحذيرا موجها إلى الجميع، دولة ومتظاهرين، وتستوجب وقفا لهذا الانحراف عند الحدود التي بلغها قبل الدخول في أي نقاش حول المسؤوليات”.
وأوضح رزقاوي، في تصريح لهسبريس، أن “الدولة مطالبة بمراجعة اختياراتها في التعامل مع المبادرات السلمية والحضارية والمشروعة، خاصة تلك المرتبطة بالمطالب الاجتماعية الملحة والأساسية والعادلة. وفي المقابل، يتحمل الشباب الذين دفعتهم غيرتهم على الوطن إلى الخروج للاحتجاج مسؤولية المساهمة في التهدئة والحفاظ على الاستقرار، إذ لا يمكن تحقيق صحة أو تعليم جيد أو شغل في ظل اضطراب وغياب الأمن”.
وأكد الناشط الحقوقي أن “الوطن ملك للجميع، والكل مطالب بالحفاظ عليه والمساهمة في استقراره”، مشددا على أن “المرحلة الراهنة تتطلب إجراءات عملية تتجاوز حدود العمل الحكومي التقليدي، في ظل عجز الحكومة عن الوفاء بكامل وعودها؛ وذلك عبر تبني خيارات استراتيجية شاملة قادرة على وقف نزيف الغضب وضبط الحماسة”.
وختم رزقاوي تصريحه بالقول إن “الاستجابة للمطالب المستعجلة في قطاعات الصحة والتعليم والشغل ومكافحة الفساد الذي يكلف الدولة خمسين مليار درهم سنويا حسب تقرير رسمي لمؤسسة دستورية يشكلان مدخلا أساسيا لإرساء حكامة اجتماعية وأمنية متكاملة تعيد الثقة وتضمن الاستقرار”.
الحاجة إلى الوحدة والتماسك
ومن جانب، قال حسن الشهلاوي، ناشط حقوقي، إن “التظاهر حق دستوري مكفول للمواطنين، شريطة أن يتم في إطار قانوني ومنظم”، موضحا أنه “حتى التظاهرات العفوية التي خرجت في الفترة الأخيرة من مختلف المناطق لم تكن في بداياتها إشكالية؛ لأنها حملت طابعا اجتماعيا يعبّر عن مطالب مشروعة مثل التعليم والصحة وفرص التشغيل. وكان من الممكن التعامل معها بجدية عبر إصدار بيانات حكومية أو مقترحات استعجالية لتهدئة الأوضاع”.
وأضاف الشهلاوي، في تصريح لهسبريس، أنه لا يعارض التظاهر من حيث المبدأ؛ بل يعتبر أن “الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المغرب صعبة وتستدعي التعبير، وأن من حق الناس أن يُسمع صوتهم، لكن المشكل ظهر حين تحولت بعض هذه الاحتجاجات إلى فوضى وأعمال عنف وحرق للممتلكات العمومية والخاصة، دون أن يتحمل أي طرف مسؤولية ذلك”.
وأشار الناشط الحقوقي إلى أن “ما يحدث اليوم لم يعد يندرج ضمن المطالب الاجتماعية العادلة؛ بل صار يحمل اختراقات غامضة ومؤشرات على تدخل أطراف مجهولة، خاصة في ظل ظرفية دولية حساسة وأحداث الشرق الأوسط التي تؤثر على موازين القوى عالميا”.
ونبه المصرح عينه إلى أن “المغرب بحاجة إلى وحدة داخلية وتماسك وطني لبناء مستقبل مستقل في قراراته، بعيدا عن أي إملاءات خارجية”، مؤكدا أن “المغرب يعاني أصلا من مشاكل كبرى، كالرشوة والفساد ونهب المال العام وضعف الثقة في المؤسسات؛ وهي أمور تحتاج إلى إصلاح جذري”.
وشدد الناشط الحقوقي على ضرورة أن تكون “المرحلة المقبلة محطة لمراجعة عميقة، سواء على مستوى الأحزاب أو النقابات أو العمل السياسي بصفة عامة، حتى لا يبقى المواطنون بلا سند ولا تأطير”.
واعتبر حسن الشهلاوي أن “ما يُعاش حاليا لم يعد تعبيرا سلميا، بل صار فوضى تهدد أمن الأسر والمجتمع ككل”، داعيا إلى “ضرورة وقفها بأي شكل كان، والمرور إلى مرحلة جديدة تُعالج فيها المطالب بعد تجاوز الأزمة”، ومشدّدا على أن “المغرب لا يمكن أن يبنى إلا على التضامن بين جميع أبنائه، والعمل المشترك على مدى طويل، ولو تطلب ذلك تقشفا وصبرا، من أجل مغرب قوي ومستقل”.
0 تعليق