احتفت أكاديمية المملكة المغربية، مساء اليوم الخميس، بالأستاذ والباحث الفرنسي جان فرانسوا تروان، الذي يعد من أبرز المتخصصين في دراسة الجغرافيا الاقتصادية والتجارة، وأول من أبرز أهمية وحيوية الأسواق الأسبوعية القروية في المغرب، من خلال أبحاث أكاديمية رائدة شكلت مرجعا أساسيا في هذا المجال.
وشكل هذا التكريم لحظة اعتراف بمسار علمي طويل امتد لعقود، قدم خلالها المحتفى به دراسات معمقة حول تطور الأسواق المغربية ودورها في البناء الاقتصادي والاجتماعي للمجال القروي والحضري.

وفي مستهل هذا اللقاء ألقى عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، كلمة عبر فيها عن مشاعر التقدير والوفاء تجاه المكرم، مشيدا بما قدمه من علم لأجيال متعددة.
وأضاف الحجمري أن “تروان عاد اليوم إلى المغرب ليكون بين الناس وللقاء تلاميذه وطلابه”، مشيرا إلى أنه كان أستاذا نقل حس المعرفة وروح الجيل بأكمله، مؤمنا بوطنه ووحدته الترابية، ووجد ذاته في المكان الذي احتضن سنوات من بحوثه، وظل وفيا له من خلال ندواته ومنشوراته وإصداراته.

وعرف هذا اليوم التكريمي تقديم محاضرة علمية ألقاها فرونسوا تروان بعنوان: “من السوق إلى المركز التجاري: تطور التجارة في المغرب”، خصصها لاستعراض مسار الأسواق القروية الأسبوعية وتطورها التاريخي، ودورها في التمدين وتنشيط الدورة الاقتصادية، قبل أن يتوقف عند ظاهرة انتشار المراكز التجارية الكبرى والمتوسطة خلال العقود الأخيرة وكيفية اندماجها في النسيج الحضري.
وقال الباحث الفرنسي، في تصريح لهسبريس، إن محاضرته جاءت لاستكشاف التحول الذي عرفته أنماط التجارة في المغرب، موضحا أن الفكرة هي دراسة تطور الأسواق، بدءا من أقدم المؤسسات، وهي الأسواق القروية، ووصولا إلى أشكالها الحديثة مثل المراكز التجارية، وأضاف: “أعتبر السوق في جوهره فضاء اجتماعيا منفتحا، يختلف تماما عن ‘المول’، لأنه يعكس روح الريف وتفاعلات الإنسان مع الطبيعة، ويوفر منتجات بأسعار معقولة”.

وتابع الأكاديمي ذاته بأنه منذ ستين عاما يؤكد أن هذه الأسواق تستحق إعادة تقدير حقيقية، مشيرا إلى أن التحولات الجارية في المغرب تعكس توجها جديدا لإعادة الاعتبار لهذه الفضاءات التقليدية.
من جهته قال الباحث الجامعي حسن بنحليمة، في تصريح لهسبريس، إن الأستاذ تروان “يعد أحد أبرز الجغرافيين الفرنسيين الأصدقاء للمغرب وللجامعة المغربية، إذ قدم خدمات علمية جليلة لجامعة محمد الخامس وطلبتها، كما أسهم بشكل وافر في دعم المعهد العلمي”، وأضاف أن المحتفى به “كان من أوائل الباحثين الذين درسوا السوق الأسبوعي ليس فقط كظاهرة جغرافية، بل أيضا كظاهرة ثقافية واجتماعية، إذ تناولها كفضاء للتبادل والتفاعل والتنظيم المجالي”.

وأبرز بنحليمة أن أبحاث تروان “غطت بتفصيل دقيق الأسواق في شمال المملكة، وتحولت أطروحته إلى مرجع علمي كشف الأدوار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأسواق في بناء المجال الترابي وتنظيم الحياة اليومية لساكنة القرى والمدن”.
وشهد اللقاء نقاشا علميا خصص لاستشراف مستقبل الأسواق الأسبوعية في ظل التحولات التي يعرفها المغرب، خصوصا مع الانتقال التدريجي نحو المراكز التجارية الكبرى وما يرافقه من تغيرات اقتصادية وثقافية عميقة.

وأكد تروان، في هذا السياق، أن الأسواق الأسبوعية “ظاهرة عالمية الطابع تطرح تساؤلات حول مدى التوافق أو التكامل بينها وبين أنماط التجارة الحديثة”، داعيا إلى التفكير في نموذج توازني يحافظ على البعد الاجتماعي والثقافي للأسواق التقليدية مع مواكبة التحديث الاقتصادي.
جدير بالذكر أن جان فرانسوا تروان يعد من الجغرافيين البارزين الذين ربطوا مسارهم الأكاديمي بالمغرب، ولد سنة 1934 في باريس، وتخرج من جامعة السوربون سنة 1958 حاملا شهادة الأستاذية في الجغرافيا، قبل أن يعين أستاذا بثانوية مولاي يوسف بالرباط، ثم مساعدا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، حيث درس واشتغل إلى غاية سنة 1972.
" frameborder="0">

















0 تعليق