في ظرف سنوات قليلة، نجح المغرب في أن يفرض اسمه بقوة على خارطة كرة القدم العالمية، محققًا إنجازات متتالية وضعت منتخباته في مصاف الكبار، ورسّخت مكانته كأحد أبرز النماذج الصاعدة في تطوير الرياضة الأكثر جماهيرية في العالم، آخرها تتويج المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة بلقب كأس العالم بدولة التشيلي.
منبع الأبطال
هذا التحول الجذري لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ثمرة لرؤية استراتيجية اعتمدت على تخطيط علمي واستثمار في العنصر البشري، كان من أبرز تجلياته إنشاء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي شكلت حجر الزاوية في مشروع وطني طموح لإعادة هيكلة الكرة المغربية من الجذور.
منذ تأسيسها في مدينة سلا سنة 2007، بدعم مباشر من الملك محمد السادس، بدأت الأكاديمية في رسم ملامح مستقبل جديد لكرة القدم في المملكة.
وفي سنة 2010، فتحت أبوابها لاستقبال أولى دفعات اللاعبين الناشئين، واضعة نصب أعينها هدفًا مزدوجًا: تكوين رياضي متكامل وتعليم أكاديمي متوازن.
تقع الأكاديمية على مساحة تقارب 2.5 كيلومتر مربع بمحاذاة نهر أبي رقراق، وقد صُممت بأسلوب يعكس العمارة المغربية التقليدية مع لمسة حداثية.
تضم منشآت متكاملة تشمل ملاعب، مراكز تدريب، مرافق طبية، ومدارس داخلية، مما يوفر بيئة مثالية لصقل مهارات المواهب الصاعدة.
ثناء “فيفا”
أثنى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على هذه المنشأة، واصفًا إياها بـ”جوهرة كرة القدم المغربية”، ومعتبرًا إياها واحدة من أنجح النماذج العالمية في الجمع بين التكوين الرياضي والتعليم الأكاديمي.
ثمار هذا المشروع بدأت تظهر بوضوح خلال السنوات الأخيرة، حيث سجل المغرب حضورًا لافتًا في البطولات الدولية: من بلوغ نصف نهائي كأس العالم في قطر 2022، إلى التتويج ببرونزية أولمبياد باريس 2024، ثم الظفر بلقب كأس العالم للشباب، وقبل ذلك كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة، مع تطور كبير في جميع المنتخبات الوطنية، وهي إنجازات غير مسبوقة على الصعيدين القاري والعالمي.
لكن الأكاديمية لم تكن المشروع الوحيد، فقد وسّعت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم من قاعدة التكوين، بإطلاق برنامج وطني يشمل 14 نادياً، بالإضافة إلى إنشاء مراكز جهوية في عدد من المدن، لتشمل مختلف جهات المملكة.
كما تولي الاستراتيجية الكروية المغربية اهتمامًا خاصًا بالمواهب من أصول مغربية المقيمة في أوروبا، عبر شبكات متابعة واكتشاف تعتمد على تنسيق دائم بين جامعة الكرة وأندية المهجر، ما أتاح للمنتخبات الوطنية الاستفادة من خبرات مزدوجي الجنسية.
هذا التكامل بين العمل القاعدي والرؤية المستقبلية جعل من المغرب نموذجًا يُحتذى به، ليس فقط في إفريقيا بل على مستوى العالم، في كيفية تحويل الحلم الكروي إلى واقع، وبناء جيل جديد من اللاعبين القادرين على المنافسة في أعلى المستويات.
طارق الخزري، المسؤول عن قطب التكوين في أكاديمية محمد السادس، ومسؤول اكتشاف المواهب، حوارته ”هسبورت” بشأن تفاصيل نجاح هذه المنشأة الرياضية المتميزة:
كيف ترى دور أكاديمية محمد السادس في تطور الكرة الوطنية؟
نعم بكل تأكيد، وكما يعرف الجميع، فإن أكاديمية محمد السادس نجحت بشكل كبير في تطوير كرة القدم الوطنية، وفق الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وهذا واضح من خلال النتائج التي حققتها المنتخبات والأندية الوطنية.
أين يتجلى نجاح الأكاديمية في تطوير الكرة الوطنية؟
أكيد هذا النجاح يتجلى في جودة التكوين قبل وبعد الأكاديمية، وأيضا في النتائج المحققة سواء على مستوى المنتخبات الوطنية أو الأندية، وعدد اللاعبين الذين تُفرخهم الأكاديمية كل سنة، وهذا الأمر يعد داعما كبيرا لكرة القدم المغربية؟
بماذا يتميز التكوين داخل أكاديمية محمد السادس عن باقي الأكاديميات؟
التكوين بالأكاديمية يُعتبر نموذجا فريدا مقارنة مع دول أوروبية رائدة. أكاديمية محمد السادس تضمن برنامج دراسة ورياضة داخل أقسام دراسية بالأكاديمية وبجودة عالية، أيضا المرافق المتعددة التي تكون رهن إشارة اللاعبين.
كما يتميز التكوين الكروي داخل هذه المنشأة برعاية خاصة ونظام احترافي عالي المستوى، إضافة إلى أن الملاعب وباقي القاعات الرياضية الخاصة بالأكاديمية تتم الاستفادة منها وفق برنامج علمي في سن مبكر، وهذا يساهم بشكل مباشر في تطوير المواهب.
أيضا لدينا متابعة خاصة لجميع اللاعبين مع أندية كبيرة ترغب في التعاقد معهم، حيث أن اللاعب بمجرد أن يدخل أكاديمية محمد السادس، تُصبح بمثابة منزله الثاني وعائلته التي تُوفر له الدفئ العائلي وتسهر على مصلحته.
كم عدد اللاعبين الذين تألقوا مع المنتخبات الوطنية من خريجي أكاديمية محمد السادس؟
هناك مجموعة من اللاعبين الذين تألقوا مع المنتخبات الوطنية، مثلا في إنجاز مونديال قطر سنة 2022، كان هناك 4 لاعبين خريجي أكاديمية محمد السادس مع المنتخب الأول، وجميع المنتخبات الوطنية تضم لاعبين تكونوا هنا.
بالنسبة للجيل الحالي المتوج بلقب كأس العالم لأقل من 20 سنة بالتشيلي، هناك 4 لاعبين تواجدوا مع الأشبال تكونوا في أكاديمية محمد السادس، وهم فؤاد الزهواني، وحسام الصادق، وياسر الزبيري، وياسين خليفي، إضافة إلى لاعبين آخرين غابوا عن البطولة لأسباب مختلفة، وقد كانوا مع المنتخب نفسه قبل أشهر في كأس أمم إفريقيا، على غرار حمزة كوتون، الذي رفض ناديه السماح له بالمشاركة في المونديال، نفس الأمر بالنسبة للاعب عبد الحميد آيت بودلال ومعاد الضحاك لعدم الجاهزية رغم أنه من بين أبرز لاعبي المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة، وأحمد خاطر للأمر نفسه.
متى بدأ دور أكاديمية محمد السادس يظهر على الكرة الوطنية؟
أعتقد منذ تأسيسها كانت في الطريق الصحيح وفق رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الرياضي الأول في البلاد وصاحب الفضل في جميع النجاحات، قبل سنة 2008 كانت الكرة الوطنية تُعاني الأمرين، وبعد تشييد الأكاديمية أشياء كثيرة تغيرت.
أكاديمية محمد السادس يُمكن وصفها بعبارة النموذج الفريد، تتميز بالإمكانيات اللوجستيكية والإقامة الجيدة والدراسة أيضا على أعلى مستوى، وملاعب احترافية من العشب الطبيعي في الفترة الحالية تحتضن مباريات كأس العالم للسيدات تحت 17 سنة.
كيف تتم آلية العمل في أكاديمية محمد السادس؟
كما قلت، داخل أسوار الأكاديمية هناك عمل احترافي من المستوى العالي، أيضا لدينا سياسة التنقيب عن المواهب في كل أرجاء المملكة المغربية، مثلا هذا العام استقطبنا لاعبا متميزا من مدينة الداخلة، والموسم الماضي لاعبا آخرا موهوبا من مدينة العيون، ولاعبين من تارودانت، لا يقتصر العمل على المدن القريبة مثل الرباط والدار البيضاء فقط.
سنواصل العمل من أجل تطوير الكرة الوطنية، وكل الشكر لمسؤولي الأكاديمية وفوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وجميعا يدا في يد من أجل نجاح المملكة على جميع المستويات والأصعدة إن شاء الله.
0 تعليق