من بين الأزقة الشعبية لمدينة وزان، برز صوت فني هادئ عميق الأثر، ناسجا لنفسه مسارا فنيا عصاميا قائما على الشغف والمثابرة. لم يتلقَّ تكوينا أكاديميا في الفن؛ لكنه تعلّم من الحياة نفسها ومن الطبيعة، ومن تجارب الطفولة التي صاغت شخصيته الفنية والإنسانية، إنه التشكيلي عبد السلام قاسمي.
رأى عبد السلام قاسمي النور بمدينة وزان سنة 1979، حيث عاش طفولة صعبة قوامها المعاناة وغياب الأب؛ غير أن من عاش محروما من دفء الأبوة وجد في الطبيعة التي كانت يقصدها كل ضاقت به السبل ملاذا وملجأ.
برزت موهبة التلميذ عبد السلام منذ الصغر، إذ كان يغادر أسوار المدرسة الحسنية نحو شساعة الطبيعة يرسم الأشجار والوجوه والبيوت، وكأنه كان يبحث في التفاصيل الصغيرة عن معنى أكبر للحياة. ومع مرور السنين، تحول الرسم من وسيلة للهروب إلى شغف وجودي يمنحه التوازن ويملأ يومه بالمعنى.
وفي هذا الصدد، قال الفنان التشكيلي لهسبريس إن “الفن بالنسبة إليه يتجاوز الهواية؛ فهو أسلوب حياة وطريقة للتعبير عن الذات والمشاعر، وعن نظرته إلى العالم من حوله” بهذه العبارة اختصر قاسمي فلسفة فنان يرى في الألوان لغة للبوح والتوازن الداخلي، وفي اللوحة فضاء للتحرر من قيود الواقع.
لا ينقص التشكيلي عبد السلام العزيمة والإصرار؛ فكلامه الرزين وموهبة الربانية تغنيان رصيده لمجاورة مداعبي الريشة. بنظرة الممارس الصادق لا المتفرج يتحدث قاسمي عن واقع الفن التشكيلي في المغرب، ويرى أن المشهد التشكيلي المغربي غني بالتنوع والإبداع؛ لكنه يعاني من ضعف الدعم المؤسسي والثقافي. فالفنان، حسبه، يُترك وحيدا يواجه صعوبات العرض والتأطير في ظل غياب البنى الثقافية الحاضنة.
أما في مدينة وزان، فيؤكد المتحدث ذاته لهسبريس أن الوضع أكثر تعقيدا، مبديا أسفه لغياب الاهتمام بالمواهب الشابة ولضعف ثقافة اقتناء الأعمال الفنية، مشددا على أن بعض الرواد يحاولون احتكار الساحة بدل أن يمدوا يد العون للأجيال الصاعدة؛ لأن الفن لا يزدهر إلا بتبادل الخبرات والدعم المتبادل”.
ويرجع الفنان نفسه ضعف الإقبال على اقتناء اللوحات إلى غياب التربية الجمالية في المدرسة والإعلام والمجتمع على اعتبار أن الكثيرين ما زالوا يرون اللوحة مجرد زينة جدارية، لا عملا يحمل رسالة وفكرة. علاوة على غياب قاعات العرض والنقاد والمقتنين، وهي عناصر أساسية لتحريك عجلة السوق الفنية.
وفي هذا الصدد، يقول التشكيلي ذاته: “في وزان، نادرًا ما تجد من يقتني لوحة فنية، حتى بثمن رمزي، لكن الأمل قائم ومع الانفتاح الثقافي، سيتغير هذا الواقع تدريجيا، موجها رسالة إلى الشباب: مفادها عدم “الاستسلام للصعوبات، والإيمان بالقدرة على الإبداع مهما كانت الظروف”.
كما يناشد قاسمي المؤسسات الثقافية والمسؤولين بضرورة دعم الفنانين وفتح فضاءات العرض والتعبير أمامهم؛ لأن الفن ضرورة وذاكرة الأمة وجمالها الإنساني. وإلى ذلك الحين، يستمر التشكيلي المستقر بمدينة في وزان في مداعبة الريشية انطلاقا من محيطه وطبيعة وزان جاعلا من الفن ولوحاته حياةً تُروى بالألوان.
0 تعليق