جاءت مضامين “مذكرة التوزيع الجهوي للاستثمار” المرفقة بمشروع قانون المالية لسنة 2026 وفية لتوجيهات الملك محمد السادس في خطابيه الأخيريْن (بمناسبة عيد العرش 2025 وافتتاح الدورة الخريفية للبرلمان)، كاشفة عن استراتيجية استثمارية طموحة، تؤكد التزام المملكة بمواصلة دعم الأوراش المهيكلة وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، مستندة إلى “نمو ملحوظ نسبته 86.8% خلال الفترة 2020–2025”.
وبالأرقام، يعكس تطور حجم الاستثمار العمومي خلال هذه السنة وصولها 380 مليار درهم في عام 2026، فيما “يهدف هذا المجهود الاستثماري إلى تحقيق انتعاش اقتصادي مستدام ومندمج، مع ضمان توزيع عادل للثروة، عبر دعم تنفيذ مشاريع البنية التحتية ومواكبة تنزيل الاستراتيجيات القطاعية، وتحسين الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية”، وفق نص التقرير المرفق الذي استقرأت هسبريس مضامينه.
“مقاربة تصاعدية للقرب”
حسب نص الوثيقة الرسمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية، يتمحور الاستثمار العمومي في المرحلة المقبلة حول “جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، تعتمد على مقاربة تصاعدية للقرب تضمن انخراط جميع الفاعلين المحليين، من السلطات المحلية والمنتخبين والمصالح اللاممركزة والمجتمع المدني”، تم إعدادها “انطلاقا من المجال الترابي المعني”.
بعد أن استدل المستند ذاته بالتأكيد الملكي أنه “لا مكان اليوم ولا غدا لمغربٍ يسير بسرعتين”، أورد أن هذه البرامج تتركز حول أربع أولويات رئيسية: أولاها “دعم التشغيل من خلال استغلال الإمكانيات الاقتصادية والمؤهلات الذاتية لكل جهة”، وثانيها “تعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم لسد العجز وتحسين المؤشرات الاجتماعية”.
ثالث الأولويات “اعتماد تدبير مستدام للموارد المائية لترشيد الاستعمال والتخفيف من حدة الإجهاد المائي”، والرابع “التأهيل الترابي المندمج عبر تقوية البنيات التحتية، مع الاستفادة من دينامية تنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم لكرة القدم 2030”.
هيكلة الاستثمار العمومي
يتبين من تفاصيل “هيكلة مشاريع الاستثمار برسم ثلاث سنوات المقبلة” (2026 وما بعدها) في كل جهة، تنوع في طبيعة المشاريع المرتقب العمل على تسريع استكمالها أو البدء بإنجازها في قطاعات استراتيجية عديدة (خاصة الصحة والتجهيز والنقل والفلاحة والماء)، مع مراعاة الخصوصيات الترابية لكل مجال وبنياته الديمغرافية والإنتاجية.
وأقرّت المذكرة الرسمية بـأنه “برزت خلال السنوات الأخيرة ديناميات نمو مجالي مهمة، خاصة خارج محور طنجة–الجديدة. في حين، وعلى الرغم من هذا التقدم، فإن التفاوتات الجهوية لا زالت تؤثر على بنية النشاط الاقتصادي الوطني، مما يحتم تضافر المزيد من الجهود لتحقيق اندماج مجالي عادل”، بتوصيفها.
وفق بيانات رسمية وخريطة تضمنتهما الوثيقة، فقد “تم تحقيق متوسط ناتج داخلي خام سنوي للفرد ناهز 34.346 درهما خلال الفترة 2015–2023″، وكذا “تعزيز النسيج الإنتاجي وتوسيع نطاق البرامج الاجتماعية على المستوى الترابي”. و”فضلا عن خصائصها الديمغرافية والاجتماعية، أبانت جهات المملكة عن قدرة ملحوظة على الصمود في مواجهة الأزمات الصحية والمناخية وتلك المرتبطة بالتضخم، مما ساهم في تعزيز صمود الاقتصاد الوطني”.
واستعرضت المذكرة هيكلة المشاريع الاستثمارية المبرمجة للفترة المقبلة (تشمل مشاريع منجزة في 2024، أو تلك قيد الإنجاز، وأخرى جديدة مبرمجة 2026-2028) حسب كل جهة، مع تفصيلٍ لأهم المشاريع.
جهة طنجة-تطوان-الحسيمة
من أبرز المشاريع المنجزة والمشاريع الكبرى “قيد الإنجاز” بجهة الشمال، لاحظت هسبريس، بعد استقرائها للوثيقة المفصلة، أنها “ركزت على قطاعات البنية التحتية والمرافق الاجتماعية والاقتصادية”. ومن بين الأمثلة الواردة في قطاع الماء: ربط سد واد المخازن مع سد دار خروفة (840 مليون درهم). بناء سد واد غيس (2.285 مليون درهم) وسد “بو أحمد” (2.785 مليون درهم). أما التجهيز: “تأهيل البنية التحتية الطرقية على مستوى الجهة (1.735 مليون درهم)”.
ويُنتظر أن يتعزز قطاع الصحة بالجهة بـ”بناء مستشفى التخصصات بتطوان” (618 مليون درهم)، مع مشاريع جديدة مبرمجة (2026-2028) تشمل-خصوصا-بناء سد دار ميمون (2.300 مليون درهم) وإنشاء سد علي تيلات المصب (2.100 مليون درهم) في قطاع الماء.
جهة الشرق
في جهة الشرق، أوردت مذكرة التوزيع الجهوي للاستثمار “مشاريع كبرى قيد الإنجاز”، تميزت بمشاريع ربط البنية التحتية وميناء الناظور غرب المتوسط. كما يرتقب “إنجاز الدراسات وعمليات نزع الملكية لمشروع الربط السككي لميناء الناظور غرب المتوسط (733 مليون درهم)”.
أما قطاع التجهيز فيتضمن مشروع الطريق السيار جرسيف-الناظور (7.800 مليون درهم) وميناء الناظور غرب المتوسط الجديد (11.590 مليون درهم). وفي الماء: تعلية سد محمد الخامس (7.800 مليون درهم) وبناء سد “تاركا أومادي” (1.257 مليون درهم).
المشاريع الجديدة المبرمجة (2026-2028) تتضمن أشغال الربط السككي للميناء الجديد “الناظور غرب المتوسط” (3.100 مليون درهم).
جهة فاس-مكناس
تركزت المشاريع المنجزة (2024) والمشاريع الكبرى قيد الإنجاز-حاليا-على “البنية التحتية المائية والفلاحية”، حيث يتم “الإعداد الهيدرو-فلاحي لحماية سهل سايس (9.000 مليون درهم)”. مع “بناء سد مداز (564.76 مليون درهم) وبناء سد الرتبة (4.688 مليون درهم).
وحملت المشاريع الجديدة المبرمجة (2026-2028) “بناء قاعة مغطاة متعددة الرياضات بمدينة فاس (أرينا) (200 مليون درهم) في قطاع الرياضة”.
جهة الرباط -سلا-القنيطرة
بجهة الرباط، المشاريع المنجزة (2024) والمشاريع الكبرى قيد الإنجاز أغلبُها “مشاريع ذات طابع حضري وبنية تحتية كبرى”، حسب ما طالعته هسبريس في تفاصيل المذكرة.
“الصحة”: تتضمن بناء المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط (7.450 مليون درهم) ثم “الفلاحة”: الإعداد الهيدرو-فلاحي على مساحة 30.000 لسهل الغرب (7.000 مليون درهم). وكذا الثقافة: إحداث المتحف الوطني للآثار وعلوم الأرض بالرباط (1.400 مليون درهم).
أما برسم المشاريع الجديدة المبرمجة (2026-2028) فأشار المصدر ذاته إلى “إحداث ملعب لكرة القدم بعمالة الصخيرات تمارة (200 مليون درهم)”.
جهة بني ملال-خنيفرة
بهذه الجهة يلاحَظ أن المشاريع الكبرى “قيد الإنجاز” تهم “مشاريع صحية ومائية”.
وفي تفاصيلها، “بناء المركز الاستشفائي الجامعي ببني ملال (2.400 مليون درهم). وإعادة بناء المركز الاستشفائي الجهوي ببني ملال (800 مليون درهم).
أما قطاع الماء فتخص استثماراته “بناء سد تاكزيرت (1.517 مليون درهم) وبناء سد واد الخضر (1.717 مليون درهم)”. فيما أبرز المشاريع الجديدة المبرمجة (2026-2028) هي بناء السد المتوسط سيدي عمار (450 مليون درهم).
جهة الدار البيضاء-سطات
تركز مشاريع الاستثمار الجارية حاليا على قطاعات “الماء، الصناعة، والتجهيز”. وهي أساسا: تأمين التزود بالماء الصالح للشرب للدار البيضاء (1.169 مليون درهم). وفي التجهيز: تأهيل البنية التحتية الطرقية بجهة الدار البيضاء-سطات (6.816 مليون درهم).
أما في الصناعة والتجارة، فتهم المشاريع “إحداث منطقة صناعية بمنطقة الغديرة-الجديدة (2.106 مليون درهم)”.
وفي المشاريع الجديدة المبرمجة يبرز إنجاز المنصة اللوجستيكية والصناعية المندمجة زناتة بـ400 مليون درهم.
جهة مراكش-آسفي
المشاريع المنجزة (2024) والمشاريع الكبرى قيد الإنجاز: مشاريع البنية التحتية والماء في سياق زلزال الحوز (برامج إعادة البناء والتأهيل)، خاصة بناء سد آيت زيات (1.942 مليون درهم).
كما تشمل تحديث أنظمة الري في المجال الفلاحي بالحوز (855 مليون درهم). وفي قطاع التجهيز: البرنامج التنموي الجهوي لمراكش-آسفي (3.000 مليون درهم). مع مشاريع جديدة مبرمجة (2026-2028): تتضمن إعادة بناء المركز الاستشفائي الإقليمي بالصويرة (900 مليون درهم) وبناء المركز الاستشفائي الجهوي بتمنصورت (800 مليون درهم).
جهة درعة-تافيلالت
تميزت مشاريع الاستثمار المرتقبة بهمينة قطاعي “الماء والفلاحة”، وهو ما يتبين من بناء سد تودغى (369.18 مليون درهم) وبناء سد أكدز (841.10 مليون درهم). وفي الفلاحة: مشروع تنمية الري عند سافلة سد قدوسة (1.033 مليون درهم).
وفي الصحة، تخص المشاريع “بناء المركز الاستشفائي الجامعي بالرشيدية (2.400 مليون درهم)”. وتضمنت المشاريع الجديدة المبرمجة (2026-2028) أشغال المحافظة على الموارد المائية بالواحات (330 مليون درهم) في قطاع الماء.
جهة سوس-ماسة
وجهت الدولة استثماراتها نحو مشاريع كبرى لمواجهة الإجهاد المائي ودعم السياحة، يتقدمها مشروع تحلية مياه البحر لسقي سهل اشتوكة (4.400 مليون درهم) ، وبناء المركز الاستشفائي الجامعي بأكادير (3.310 مليون درهم)، وتأهيل الملعب الكبير لأكادير (2.440 مليون درهم)، مع بناء مستشفى آيت ملول (550 مليون درهم) ضمن مشاريع مبرمجة جديدة لثلاث سنوات المقبلة.
جهات الجنوب والصحراء
إجمالا، تتميز هذه الجهات بالتركيز على مشاريع البنية التحتية المينائية، وتحلية المياه، والطاقات المتجددة، والتعمير.
ففي الداخلة-وادي الذهب: تهم الاستثمارات مشروع “الميناء الجديد الداخلة الأطلسي” (13.614.4 مليون درهم)، ومشروع ربط المدينة بالشبكة الكهربائية الوطنية (914.1 مليون درهم). وكذا “إعادة بناء المركز الاستشفائي الجهوي بالداخلة (700 مليون درهم)”.
وفي جهة العيون-الساقية الحمراء: يبرز الاستثمار في قطاع الفوسفاط عبر “مجمع فوسبوكراع” لإنتاج الأسمدة (10.246 مليون درهم) ، والمشاريع الصحية ببناء المركز الاستشفائي الجامعي بالعيون (2.360 مليون درهم) ، إضافة إلى مشاريع تحلية المياه وإنشاء منشأة مأخذ المياه (750 مليون درهم).
وفي جهة كلميم-واد نون: تركز المشاريع على الخدمات الصحية والتجهيز، وأهمها بناء المركز الاستشفائي الجامعي بكلميم (2.000 مليون درهم) ، وبرنامج تنمية الجهة للطرق (2.270 مليون درهم)، وبناء كلية الطب والصيدلة بكلميم (315 مليون درهم).
0 تعليق