الجنرال أندرسون: أساليب التطرف تتغير .. و"الأسد الإفريقي" يقوي المغرب - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال الجنرال داغفين أندرسون، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، إن “القارة أصبحت ساحة تنافس استراتيجي عالمي، فروسيا والصين، كلٌّ بطريقتها، تحاولان توسيع نفوذهما عبر أدوات مختلفة”، مضيفا أن “الوجود الغربي في إفريقيا لا يقاس بعدد القواعد أو الجنود، بل بمدى قوة العلاقات والتحالفات التي بنيناها على مدى عقود”.

وتابع المسؤول العسكري الأمريكي ذاته، الذي سبق أن قاد تشكيلات عسكرية أمريكية عديدة منها السرب 19 للعمليات الخاصة في قاعدة “هيرلبيرت” بفلوريدا، في حوار حصري مع جريدة هسبريس الإلكترونية (بنسختيها العربية والإنجليزية)، أن “ما نقوم به الآن هو إعادة تعريف الشراكة الإفريقية–الأمريكية بحيث تقوم على المرونة والاحترام المتبادل، إذ لا نريد أن نُملِي على الدول الإفريقية ما يجب أن تفعله، بل أن نساعدها على اتخاذ قراراتها السيادية من موقع القوة”، مسترسلا أن “المغرب في هذا السياق شريك محوري، لأنه يعرف القارة جيدا، ويملك أدوات دبلوماسية وأمنية تجعله عنصر توازن داخل المنظومة الإفريقية”.

بناء قدرات محلية

وتفاعلا مع سؤال حول تغير تكتيكات وأساليب الجماعات الإرهابية التي تنشط في القارة الإفريقية، سجل الجنرال داغفين أندرسون أنه “قبل عقد من الزمن، كنا نتحدث عن تنظيمات مركزية مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو داعش، وكان التعامل معها يتم بشكل مباشر من خلال العمليات العسكرية. أما اليوم، فالمشهد أكثر تعقيدا، إذ لم تعد هذه التنظيمات تسيطر على أراضٍ واسعة كما في السابق؛ لكنها أصبحت أكثر مرونة وانتشارا محليا، وتعمل ضمن شبكات صغيرة تستفيد من الهشاشة السياسية والاقتصادية في بعض المناطق”.

وزاد المتحدث ذاته شارحا: “لهذا السبب، فإن مقاربتنا تطورت؛ فبدلا من التركيز على المواجهة العسكرية المباشرة، نعتمد الآن على بناء القدرات المحلية، أي تمكين الدول الإفريقية من التصدي بنفسها لهذه التهديدات، إذ نعمل مع شركائنا على ثلاثة محاور رئيسية: أولها تبادل المعلومات الاستخباراتية والتقنية لأن المعرفة الدقيقة بالتهديد هي الخطوة الأولى لمواجهته، وثانيها التدريب والتأهيل، ثم أخيرا مواجهة الدوافع غير العسكرية للإرهاب، لأن الإرهاب لا ينشأ في فراغ، بل في بيئات يغيب فيها الأمل والتعليم والخدمات. ولذلك، نحن ندعم الجهود التنموية والحوكمة الرشيدة بالتعاون مع الوكالات الأمريكية الأخرى وشركائنا الدوليين”.

في الإطار ذاته، شدد أندرسون على أن “المغرب يبرز كشريك استراتيجي يُقدم نموذجا ناجحا في مكافحة التطرف العنيف، عبر مقاربة تجمع بين الأمن والتنمية وإصلاح الخطاب الديني. وهذه التجربة المغربية نعتبرها مثالا يمكن أن تستفيد منه دول أخرى في المنطقة”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية لا تسعى إلى وجود عسكري دائم أو موسع في القارة؛ بل تؤمن بأن الأمن الإفريقي يجب أن يُصنع بأيادٍ إفريقية”، مضيفا: “لدينا اليوم أكثر من 35 شراكة عسكرية فعّالة مع دول القارة، معظمها يركّز على التدريب وبناء القدرات وليس القتال. وهذا ما يميز “أفريكوم” عن أية جهة خارجية أخرى، لأننا نحن نعمل مع الشركاء وليس بدلا عنهم”.

مراقبة بحرية مشتركة

أبرز داغفين أندرسون أن “أمن الممرات البحرية يمثل أحد الملفات الإستراتيجية الأكثر حساسية بالنسبة إلينا ولشركائنا الأفارقة والأوروبيين؛ فمضيق جبل طارق، على سبيل المثال، يُعتبر من أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، ويمثل صلة حيوية بين الأطلسي والبحر المتوسط”، لافتا إلى أن “المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، هو الضامن الأول لاستقرار هذا المضيق من الجهة الجنوبية. ولذلك، نعمل مع عدد من الدول الإفريقية على بناء شبكة تعاون إقليمي تشمل المراقبة البحرية المشتركة وتبادل المعلومات في الوقت الفعلي”.

وشدد الجنرال الأمريكي على أن “المغرب هنا يلعب دورا مكمّلا ومهما، فهو يمتلك بنية تحتية بحرية حديثة، وموانئ مثل ميناء طنجة المتوسط تمثل نموذجا في الكفاءة والأمن، إضافة إلى امتلاكه لتجربة متقدمة في مراقبة السواحل، ونحن في “أفريكوم” نعتبر أن تعزيز القدرات البحرية المغربية يخدم الأمن الجماعي للأطلسي الإفريقي بأكمله، ولهذا نعمل بشكل متواصل على تطوير التعاون التقني والتدريبي بين قواتنا البحرية”.

وزاد المتحدث شارحا: “لدينا تعاون واسع ومتعدد المستويات، فهناك أولا تبادل للخبرات والمعلومات التقنية بين القوات البحرية الأمريكية والمغربية، خاصة في مجالات الرصد البحري ومكافحة الأنشطة غير المشروعة. كما نجري أيضا تدريبات بحرية مشتركة بشكل دوري؛ بعضها ثنائي، وبعضها في إطار المناورات الكبرى مثل “الأسد الإفريقي”، التي تشمل تمارين بحرية معقدة تحاكي سيناريوهات حقيقية، من بينها مكافحة القرصنة وإنقاذ الأرواح في البحر، وأخيرا هناك برامج تطوير الكفاءات التي تستفيد منها البحرية الملكية المغربية، وتشمل تكوينات متقدمة في القيادة والسيطرة، والتكنولوجيا البحرية، والاتصالات”.

وأوضح أن “قيمة مناورات “الأسد الإفريقي” لا تكمن فقط في حجمها، بل في نوعية الشراكة التي تجسدها؛ فالمغرب يستضيف جزءا أساسيا من التمرين على أراضيه، ويشارك فيه بفعالية من خلال قواته البرية والجوية والبحرية”.

وفي هذا الصدد، شدد على أن “هذه المناورات متعددة الجنسيات تعزز الجاهزية المشتركة، إذ تتيح للقوات الأمريكية والمغربية وغيرها من القوات المشاركة اختبار قدراتها في ظروف ميدانية قريبة من الواقع”.

تكامل عملياتي

وأضاف الجنرال داغفين أندرسون أن “المناورات تعزز أيضا الخبرات والتكامل العملياتي؛ فكل جيش يأتي بتقنياته وأساليبه الخاصة، والتنسيق بينها هو ما يجعل التحالفات أكثر فاعلية. كما أنها تنطوي على رسالة واضحة مفادها أن الشراكات القائمة على الثقة والاحترام المتبادل هي السبيل الأمثل لضمان الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية”.

واعتبر قائد (أفريكوم) أن “المغرب يحقق من خلالها مكاسب متعددة، بحيث يستفيد من نقل الخبرات العسكرية والتكنولوجية الحديثة، ومن الرفع من قدرات التخطيط والتنسيق العملياتي، فضلا عن تأكيد مكانته كقوة إقليمية مسؤولة قادرة على استضافة وتنظيم مناورات بهذا الحجم.. وبالتالي، فهي فرصة للمغرب ليُظهر للعالم احترافية قواته المسلحة، وللتأكيد على دوره المحوري في منظومة الأمن الإقليمي في شمال وغرب إفريقيا”.

وحول نوايا توسيع نطاق وبرنامج مناورات “الأسد الإفريقي”، أوضح أن “كل دورة من هذه المناورات تكون أكبر وأكثر تعقيدا من سابقتها. لقد أضفنا، خلال السنوات الأخيرة، مكونات جديدة مثل الدفاع السيبراني، والتنسيق في الفضاء، ومكافحة الكوارث الإنسانية، وهي مجالات أصبحت حيوية في الحروب الحديثة. كما نعمل أيضا على تعميق المشاركة الإفريقية، بحيث لا تكون المناورات مقتصرة على محور المغرب–الولايات المتحدة–أوروبا، بل تشمل شركاء جدد من إفريقيا جنوب الصحراء، وهو أمر نعتبره مهما جدا للمستقبل”.

وخلص الجنرال داغفين أندرسون إلى أن “إفريقيا ليست ساحة للتدخل المباشر أو للهيمنة؛ بل شريك استراتيجي يجب أن تكون له القدرة على اتخاذ قراراته السيادية”، مبرزا أن “المغرب يمثل مثالا ممتازا لهذا النهج، فهو دولة مستقرة، ذات مؤسسات راسخة، ولها خبرة عميقة في الأمن الإقليمي والدولي. كما يمتلك شبكة علاقات قوية مع الدول الإفريقية؛ مما يجعله حلقة وصل استراتيجية لتعزيز التعاون الأمني والتنمية المستدامة في القارة”، مؤكدا أن “الشراكة ليست حكرا على الحكومات أو الجيوش، بل هي مسؤولية جماعية، والمغرب وشركاؤه في القارة يُظهرون أن التعاون والابتكار والاحترام المتبادل يمكن أن يحقق نتائج ملموسة حتى في أصعب الظروف”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق