تشهد عدد من الجماعات بمنطقة الريف عملية جني الزيتون وعصره التي بدأت مع مستهل أكتوبر الجاري، وينخرط فيها، على غرار المواسم السابقة، عدد من الفلاحين والمهنيين والعاملين، ليشكل هذا الموسمُ الفلاحي فرصة للاستثمار الاقتصادي وتنشيط الحركة التجارية وتوفير مناصب شغل مؤقتة لعدد من العاملين.
وعلى عكس الموسم السابق الذي عانى خلاله القطاع الفلاحي من تداعيات توالي سنوات الجفاف في البلاد يشهد هذا الموسم انتعاشا كبيرا مع توقع جني كميات وافرة من الزيتون في غضون الأيام المقبلة، ما سينعكس بشكل إيجابي على انخفاض سعر زيت الزيتون الذي تجاوز السنة الماضية سقف 100 درهم للتر الواحد.
وفي تصريح لهسبريس قال عبد النبي الخضراوي، فلاح بجماعة أزغنغان التابعة للنفوذ الترابي لإقليم الناظور: “موسم جني الزيتون هذه السنة استثنائي ومختلف تماما عن الموسم السابق، لأن الأشجار أثمرت كميات كبيرة من الزيتون في مختلف الحقول والمزارع بجماعات الناظور، وهذا من شأنه توفير كميات وافرة من الزيت، وبالتالي انخفاض كبير في الأسعار”.
وأضاف المتحدث ذاته: “التساقطات المطرية التي شهدتها البلاد السنة الماضية ساهمت بشكل كبير في انتعاش أشجار الزيتون بعد توالي سنوات الجفاف التي كانت لها آثار كبيرة على مستوى القطاع الفلاحي بالمنطقة. ونشهد هذه السنة موسما جيدا طال انتظاره، ما سينعكس بشكل إيجابي على القطاع عموما”.
وعن ظروف العمل في هذا المجال أورد الخضراوي: “يتراوح العمل بين النشاط التقليدي في الحقول، حيث تستخدم الأيدي العاملة المحلية والعائلية في الجني، وبين الطرق العصرية التي تعتمد على التجميع الميكانيكي. وبشكل عام هناك حركية كبيرة في هذا المجال على مستوى عدد من الجماعات بالناظور، خاصة جماعات بوعرك وبني بويفرور وبني سيدال”.
ورغم أهمية هذا الموسم في خلق فرص العمل، يتابع الفلاح نفسه، “إلا أن العديد من الفلاحين يواجهون صعوبات تتعلق بنقص اليد العاملة وارتفاع كلفة الجني والنقل؛ فأحيانا لا يجد الكثير من مالكي ضيعات الزيتون العدد الكافي من العاملين في هذا القطاع، لقلتهم من جهة، واشتراطهم أجرا مرتفعا مقابل هذه الخدمة من جهة أخرى”.
من جهته قال زهير كطار، عامل في مزرعة “صاردي أغرو” بجماعة بني بويفرور التابعة للنفوذ الترابي لإقليم الناظور: “مع بداية فصل الخريف كل سنة، وبالضبط في شهر أكتوبر، ينطلق موسم جني الزيتون واستخلاص الزيت، والمزرعة منخرطة في هذه العمليات على غرار المواسم السابقة”.
وعن أسعار الزيت أورد كطار: “المزرعة تبيع، حاليا، اللتر الواحد بـ70 درهما، فيما يختلف السعر كما هو معروف حسب جودة الزيت، وعموما يتراوح حاليا في السوق بالناظور بين 50 و80 درهما. وزيت جماعة بني سيدال، الذي يعد من أجود الأنواع على مستوى الناظور، يصل ثمنه إلى 400 درهم لقنينة 5 لترات، فيما وصل السنة الماضية إلى أزيد من 600 درهم”.
وتابع العامل ذاته: “الزيتون متوفر هذه السنة بكميات وافرة، على عكس الموسم السابق على سبيل المثال، ما يعني أن أسعار الزيت ستشهد انخفاضا كبيرا خلال الأيام القليلة المقبلة، ومن الممكن أن يصل سعر اللتر الواحد إلى أقل من 50 درهما”.
وفي السياق ذاته قال محمد الشبابي، صاحب معصرة “معاذ” لتعاونية عبدو لإنتاج وتثمين زيت الزيتون بجماعة آيت مايت التابعة لإقليم الدريوش: “يُعدّ موسم جني الزيتون، الذي تشهده البلاد حاليا، من أهم المواسم الفلاحية وأبرز ركائز الاقتصاد المحلي، لما يوفره من فرص شغل مؤقتة ومساهمته في تنشيط الحركة التجارية والاجتماعية بالمنطقة”، وتابع: “يعرف هذا الموسم انطلاقة متفاوتة بين المناطق تبعا للظروف المناخية، إذ أثّرت قلّة التساقطات وتقلّبات الطقس على إنتاجية بعض الضيعات بإقليم الدريوش، بينما سجلت مناطق أخرى محصولا جيدا بفضل اعتماد تقنيات السقي الموضعي وتحسين الأصناف وغيرها من التقنيات، لكن عموما الزيتون متوفر بكميات كبيرة مقارنة مع الموسم المنصرم”.
وعن ظروف العمل في المعصرة قال الشبابي: “تمر عملية استخلاص الزيت في المعصرة، وهو المنتج الذي سميناه ‘ريف الأجداد’، بعدة مراحل، تبدأ بفرز الثمار الجيدة وغسلها، ثم طحنها وعصرها واستخلاص الزيت الذي يُخزّن في ظروف خاصة للحفاظ على جودته، وكذلك يتم إخضاع الزيت لتحاليل دقيقة للتأكد من نسبة الحموضة والبيروكسين، ولا تعتمد هذه التقنية إلا نسبة قليلة من المعاصر”، مؤكدا أن “المعصرة تولي أهمية خاصة لمعايير الجودة والنظافة، حرصا على إنتاج زيت نقي يحافظ على خصائصه الغذائية والطبية، ومن أجل ذلك يُطلب من الفلاحين إحضار الزيتون في حينه”.
وفي ما يخص الأسعار فقد وصلت، حسب المتحدث ذاته، إلى 8 دراهم للكيلوغرام الواحد من الزيتون، في حين يبلغ اللتر الواحد من زيت الزيتون 60 درهما، فيما يتوقع أن يُسجّل السعر انخفاضا مقارنة بالسنة الماضية، نتيجة توفر الزيتون بكميات كبيرة هذه السنة.
ورغم الأجواء الإيجابية التي تميز انطلاق الموسم، يتابع المهني نفسه، “مازالت بعض المشاكل والعراقيل مطروحة، مثل ضعف البنيات التحتية الطرقية المؤدية إلى الضيعات، وغياب التنظيم داخل سلاسل الإنتاج، واحتكار بعض الوسطاء، إضافة إلى النقص في التأطير التقني والدعم الموجّه للفلاحين الصغار”.
وختم الشبابي تصريحه لهسبريس بقوله: “نأمل نحن المهنيين في هذا القطاع أن يشكل هذا الموسم فرصة لتعزيز مكانة زيت الزيتون المغربي في الأسواق، وتشجيع الاستهلاك المحلي، وتثمين المنتج عبر اعتماد معايير الجودة والتعبئة الحديثة”.
0 تعليق