نجوم المغرب تلمع في سماء الشيلي - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

من سانتياغو إلى وجدة، ومن نيويورك إلى الدار البيضاء، كان المغاربة يتابعون لحظة واحدة. لحظة التاريخ. لم تكن ليلة عادية.

لم تُغلق المقاهي أبوابها، ولم تنطفئ الشاشات الصغيرة في البيوت. في كل زاوية من المغرب، كانت العيون معلقة على ملعب بعيد في أقصى جنوب الكرة الأرضية؛ “إستاديو ناسيونال خوليو مارتينيز برادانوس” في سانتياغو.

حين سمعت صافرة النهاية، لم يبق أحد في مكانه. خرج الناس إلى الشوارع كما لو أن الفجر حلّ مبكرًا. وانطلقت أبواق السيارات في الشوارع الرئيسية، وارتفعت الأعلام فوق الأسطح، بينما علت الأغاني الوطنية القديمة التي رافقت أجيالًا من الحلم الكروي المغربي.

كانت فرحة بلا حدود. ليلة بيضاء في بلد يعرف أن كرة القدم ليست مجرد رياضة، بل مرآة للكرامة والأمل والانتماء. وفي المدرجات، لم يكن صوت الأرجنتينيين هو الأعلى، رغم تاريخهم المليء بالنجوم.

وكان الحضور المغربي لافتًا. مئات المشجعين جاؤوا من الدار البيضاء، باريس، مونتريال، والدوحة، ومدن آسيا البعيدة في الشرق.

ونظمت الخطوط الملكية المغربية رحلتين خاصتين إلى سانتياغو، لم تكونا مجرد رحلات جماهيرية، بل رحلات حب ووفاء، محمولة على أجنحة وطنية أرادت أن تكون شاهدة على لحظةٍ ستُروى طويلًا.

وقال أحد المشجعين القادمين من شيكاغو للصحفيين: “لم أسافر إلى الشيلي من أجل كرة القدم فقط، بل لأشهد الحلم الذي انتظرناه منذ كنا أطفالًا”.

وفي الدقيقة الثانية عشرة، أطلق ياسين الزبيري أول رصاصة في مرمى التاريخ. هدف من تسديدة دقيقة أشعل المدرجات. وفي الدقيقة التاسعة والعشرين، عاد ليضع اسمه في سجل الخلود. هدف ثانٍ جعل الوقت يتوقف، وجعل الأرجنتينيين، أصحاب ستة ألقاب، يبدون كمن شاهد شيئًا أكبر من اللعبة ذاتها.

وبعد اللقاء، وقف الزبيري أمام الكاميرات بفرحة طفولية وقال: “كنت أود أن يكون والداي هنا، لكن ظروفهما الصحية لم تسمح. أهدي لهما الكأس، وأقول للجماهير المغربية: لقد وعدناكم بالعودة بالكأس، وها هو بين أيدينا”.

كان صوته يرتجف، كمن يدرك أنه لم يسجل هدفين فقط، بل وضع بلاده على قمة العالم.

وعلى خط التماس، لم يصرخ المدرب محمد وهبي كثيرًا. كان يراقب لاعبيه بعين الأب الذي يعرف أن أبناءه صاروا رجالًا.

قال بعد المباراة، بهدوء العارف: “ما تحقق اليوم يتجاوز كرة القدم. أردنا أن نكسر الحاجز الزجاجي، وأن نثبت أن الشاب المغربي حين يؤمن بنفسه، يستطيع أن يغير مصيره”.

كان يتحدث عن أكثر من كأس، عن فلسفة تكوين، وعن حلم وطني بدأ قبل سنوات في مراكز أكاديمية محمد السادس، حيث تنمو المواهب المغربية بهدوء، وتُصقل كالجواهر.

وقال الحارس عبد الحكيم المصباحي، بطل نصف النهائي، وسط زحمة العدسات: “فرحة لا توصف. نهدي اللقب للشعب المغربي الذي سافر معنا في قلوبنا. هذه بداية فقط”.

أما عثمان معمة، المتوج بجائزة أفضل لاعب في البطولة، فاكتفى بابتسامة خجولة قائلًا: “قدمنا كل ما لدينا. أردنا أن نُسعد المغرب”.

ولم ينجُ المنتخب الأرجنتيني، صاحب الرقم القياسي في الألقاب، من صدمة التنظيم المغربي.

وقال مدربه دييغو بلاسينتي بصراحة: “فقدنا أعصابنا بعد الهدف الأول. المنتخب المغربي كان منظمًا، صلبًا، يلعب بعقل وهدوء لا يُصدق. وجدنا صعوبة كبيرة في اختراق الدفاع المغربي”.

كان ذلك اعترافًا نادرًا من مدرسة الكرة اللاتينية بمدرسة إفريقية جديدة بدأت تتحدث بلغة العالمية. في شوارع المغرب، لم يكن الناس يحتفلون بكأس من ذهب، بل بمعنى.

بمعنى أن يخرج جيلٌ من أبناء الأحياء البسيطة ليُعلّم العالم أن العزيمة أقوى، وأن الحلم حين يُصاغ بالإيمان يتحول إلى واقع.

وجاءت الجوائز الفردية لتكرّس التفوق المغربي في هذه النسخة، بعدما نال عثمان معمة جائزة أفضل لاعب، وياسين الزبيري جائزة ثاني أفضل لاعب مع لقب الهداف، فيما اكتفى الحارس الأرجنتيني سانتينو باربي بجائزة أفضل حارس.

لكن ما حُفر في الذاكرة يتجاوز الأسماء والأرقام. لقد أصبحت سانتياغو لبضع ساعات مدينة مغربية أخرى.

ومع بزوغ فجر اليوم التالي، كان المغرب بأكمله ما يزال ساهرًا. الأطفال ناموا بالأعلام، والمقاهي لم تُطفئ شاشاتها بعد.

وتحت سماء بعيدة، رفع أشبال الأطلس الكأس عاليا، والكاميرات التقطت وجوهًا يختلط فيها العرق بالدموع.

لقد فعلتها “أسود U20”. من أرض بعيدة حملت كأس العالم إلى وطن أغلى من الذهب: مؤكدة أن “المستحيل” كلمة عابرة فقط.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق