خفض التصنيف الائتماني لفرنسا يثير مخاوف اقتصادية بأوروبا وشمال إفريقيا - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أثار تخفيض تصنيف الائتمان السيادي لفرنسا (من “AA-” إلى “A+”) تطوراً لافتا فاجأ الأسواق المالية والاستثمارية الأوروبية، خاصة أن الوكالة الأمريكية “S&P Global Ratings” استبقت الجدول الزمني المسبَق لإصدار تحيينها بخصوص الاقتصاد الفرنسي الذي يعدّ ثاني اقتصادات “منطقة اليورو”.

وسرّع من وتيرة ذلك تفاقم الأزمة السياسية لتشكيل الحكومة في فرنسا وتصاعد أزمة الديون العامة التي ألقت بثقلِها، نازلةً بالتصنيف الائتماني من الدرجة الرابعة إلى الخامسة في سلم تصنيفات “ستاندرد آند بورز”، التي فسرت الخطوة بـ”زيادة الاضطراب السياسي في البلاد وعدم تمكّن الحكومة من تنفيذ الإصلاحات المالية بفعالية”.

هذا القرار، الذي بدا كأبرز “مؤشرات فقدان جزء من الثقة” في ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، يثير تساؤلات حول تداعياته المحتملة على استقرار اقتصاد “منطقة اليورو” ككل، وعلى العلاقات الاستثمارية والمالية التي تربط باريس بدول شمال إفريقيا أساسًا؛ في مقدمتها المغرب.

ففي وقت تتزايد المخاوف من اتساع العجز المالي الفرنسي إلى نحو 5.3% من الناتج الداخلي بحلول 2026، وارتفاع الدين العام إلى أكثر من 121% في 2028، يطرح خبراء الاقتصاد أسئلة حول مدى قدرة فرنسا على الحفاظ على جاذبيتها الاستثمارية وقوتها الاقتصادية، وحول ما إذا كان هذا التراجع سيؤثر في ثقة المستثمرين الأجانب وفي حركة الاستثمارات الفرنسية الموجهة إلى الخارج، خاصة نحو المغرب الذي يعدّ أحد أبرز شركائها الاقتصاديين في إفريقيا.

“ضرر محتمل”

أكد مصطفى الجاي، أستاذ جامعي خبير مالي واقتصادي، أن انخفاض التصنيف الائتماني لفرنسا يشير إلى أن الاقتصاد الفرنسي يمر بـ”حالة أزمة مالية غير مسبوقة”، إذ بلغت نسبة الدين العام نحو 115% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو “مستوى يتجاوز بكثير الحد المقبول اقتصادياً”، المُقدَّر بـ 70% من الناتج المحلي لأي دولة.

وأضاف الجاي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “المؤشرات المالية في فرنسا لا تبدو واعدة على المدى القريب”، مشيراً إلى أن “الخبراء الفرنسيين يتوقعون أن تتفاقم نسبة الديون قبل أن تبدأ الانخفاض تدريجياً بحلول 2027، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الظرفية الاقتصادية العالمية الحالية، بما في ذلك استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتقلبات الاقتصادية الناجمة عن السياسات الأمريكية، مثل الرسوم الجمركية المفروضة على أوروبا”.

وأوضح الخبير في الشؤون المالية أن “هذه الأزمة الفرنسية ستكون لها انعكاسات مباشرة على الاقتصاد المغربي، ولاسيما أن فرنسا تُعد الشريك الاقتصادي الثاني للمغرب بعد إسبانيا، بحجم تبادل تجاري يقترب من 12 مليار يورو، فضلاً عن استثمارات فرنسية في المملكة بلغت نحو 5 مليارات يورو في 2023، خصوصاً في قطاعات إستراتيجية (مِهن المغرب العالمية) مثل صناعة السيارات والبنية التحتية، تعتبر محركات رئيسية لخلق فرص الشغل في البلاد”.

وقدّر المصرح أن “الضرر المحتمل لاضطرابات المالية العمومية بفرنسا قد يفضي إلى تأجيل أو تقليص الاستثمارات الفرنسية في المغرب، ما يحتّم بالضرورة أن يستمر الأخير في تنويع شراكاته الاقتصادية وتقليل الاعتماد على باريس، من خلال تعزيز العلاقات مع شركاء آخرين مثل الصين، المملكة المتحدة، ألمانيا، وعدة دول أوروبية وغير أوروبية أخرى، لضمان استقرار الاقتصاد الوطني وتقليل المخاطر المحتملة الناجمة عن أي أزمة في الخارج”.

وختم المتحدث: “يتعيّن على المغرب استيعاب التأثيرات المحتملة لهذه الأزمة على الاقتصاد الوطني، والعمل على تعزيز المرونة الاقتصادية وتنويع مصادر الاستثمار لضمان استمرار التنمية وخلق فرص العمل”.

“بدون تأثير ملموس”

ويرى عبد الرزاق الهيري، أستاذ جامعي مدير مختبر تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية بفاس، أن “فرنسا تُعد واحدة من أكبر الاقتصاديات في أوروبا والعالم، ولديها القدرة على مجابهة الصدمات المالية بفضل كفاءتها في عدد من القطاعات الحيوية”.

وأضاف الهيري مصرحا لهسبريس: “هذا التخفيض قد يؤثر بشكل طفيف على مستوى الفائدة المطبقة على القروض الفرنسية، لكنه لن يكون له تأثير ملموس على الاستثمارات الفرنسية المباشرة في المغرب، على الأقل على المدى القصير”.

وأوضح أستاذ الاقتصاد أن “الاستثمارات الفرنسية في المغرب تخضع لعوامل متعددة، تشمل البعد السياسي، والاعتبارات الجيو-اقتصادية، مع عامل حاسم: طبيعة العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين”، ولفت إلى أن “فرنسا تظل من أكبر المستثمرين الأجانب في المغرب، خاصة في قطاعات إستراتيجية مثل التأمين، الصناعات، النقل، والطاقة”، مؤكداً أن هذه الاستثمارات “تتمتع باستقرار نسبي بسبب المتانة التاريخية للعلاقات الاقتصادية بين البلدين”.

وبحسب المحلل ذاته “يمكن أن يكون لانخفاض التصنيف الائتماني الفرنسي تأثير محدود، لأن هذا التراجع مرتبط أساساً بعامل الاستقرار السياسي، ومن المتوقع أن يعود التصنيف إلى مستواه السابق بمجرد عودة الاستقرار. ومع ذلك فإن هذا التخفيض يؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع نسب الفائدة على التمويلات والقروض الممنوحة لفرنسا، سواء كانت للدولة الفرنسية أو للمؤسسات والشركات الفرنسية، وهو ما قد ينعكس بشكل طفيف على نمو الاقتصاد الفرنسي، وبالتالي على نمو منطقة ‘اليورو’، وسط توقعات بأنه سيكون محدوداً جداً”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق