مجتمع مغربي بسرعات متعددة - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
مجتمع مغربي بسرعات متعددة
أحمد لعيونيالأحد 19 أكتوبر 2025 - 11:30

في مقال نشرته جريدة لوفيغارو الفرنسية يوم الجمعة 17 أكتوبر، بعنوان “الشباب المغربي في اختبار الزمن الطويل”، كتب الخبير الاقتصادي والإعلامي، مدير المعهد المغربي للذكاء الإستراتيجي (IMIS) عبد المالك العلوي بأن “خصوصية المغرب تتجلى في التوتر المستمر بين الحداثة الصناعية والهشاشة الاجتماعية، وبين الطموح العالمي والفوارق المحلية، وبين استقرار المؤسسات ويقظة الشباب. فالمغرب مزيج من فسيفساء اجتماعية، تتكون من أقلية فرنكوفونية ورثت نموذجاً ليبرالياً، وأغلبية محافظة متشبثة بالتماسك المجتمعي، وجيل شباب هجين ومرن، يتحدث لغات متعددة، ويعيش هويات متشابكة. وبين هذه المكونات تقوم المؤسسة الملكية بدور المفصل الذي يربط الذاكرة بالمستقبل، والمحلي بالعالمي، ويضمن توازن السرعات الاجتماعية المختلفة.”

يُختزل المغرب، في كثير من القراءات السياسية والاجتماعية، في صورته كبلد غني بالتنوع اللغوي والثقافي والحضاري. غير أن المقولة التي تصفه بأنه “موزاييك من ثلاث قوى اجتماعية: أقلية فرنكوفونية ليبرالية، وأغلبية محافظة جماعية، وشباب هجين يعيش بين العوالم” تقدم مدخلاً دقيقاً لفهم طبيعة المجتمع المغربي في زمن التحول العالمي السريع.

المغرب، تاريخياً، كان دائماً نقطة تلاقٍ بين الشرق والغرب، وبين إفريقيا وأوروبا، وبين الأصالة والحداثة. فالأقلية التي ورثت نموذجاً ليبرالياً من عهد الحماية الفرنسية، تمثل اليوم نخبة المدن الكبرى، حاملة لقيم الانفتاح الفردي والعقلانية المؤسساتية. وفي المقابل، تشكل الأغلبية المحافظة عمق الهوية المغربية المتشبعة بالدين، والعادات الجماعية، والروابط العائلية المتينة، وهي الضامن لاستمرار التوازن الأخلاقي والاجتماعي. أما الجيل الجديد، جيل التكنولوجيا واللغات المتعددة، فيعيش في فضاء رقمي مفتوح على العالم، ينتقل بين الهويات والمرجعيات بحرية، دون أن يفقد بالضرورة انتماءه الوطني.

في خضم هذا التعدد، تبرز المؤسسة الملكية كـ”العقد الرابط” بين المكونات المتباينة. فهي ليست فقط مؤسسة سياسية، بل أيضاً رمزية وثقافية تجمع بين ذاكرة المغاربة وبين تطلعاتهم نحو المستقبل. فمن خلال الاصطلاحات المتدرجة والمبادرات التنموية الكبرى، تعمل الملكية على وصل المحلي بالعالمي، وتأمين توازن دقيق بين الحداثة الموجهة والانتماء الأصيل، بحيث لا يتحول الانفتاح إلى قطيعة ولا المحافظة إلى جمود.

لذا يلاحظ أن المغرب المعاصر يسير بسرعات اجتماعية متفاوتة. هناك سرعة ليبرالية لدى النخبة المتأثرة بالنموذج الغربي، وسرعة تقليدية تتركز في الهوامش والمجتمعات المحافظة، وسرعة رقمية يمثلها الشباب المتصل بالعالم الافتراضي. ومن هذا الشباب، تلك الفئة المتمثلة في جيل زيد (Gen Z) الذي رفع صوته في الأسابيع الأخيرة مطالباً بإصلاحات شاملة في مجالات الصحة والتعليم والقضاء، غير أن طاقته تظل مشتتة ومتفرقة في غياب إطار سياسي منظم قادر على توجيهها وقيادتها نحو التغيير الفعلي.

إن هذا التفاوت في السرعات لا يعد ضعفاً، بل يمكن اعتباره دليلاً على حيوية مجتمع يعيش زمن الانتقال ويحاول أن يجد توازنه الخاص في عالم سريع التغير. ومن هنا، نجد أن المغرب، بهذه الفسيفساء المركبة، يشبه نسيجاً تتجاور فيه الألوان والأنماط دون أن تذوب في بعضها. وسر هذا التعايش يكمن في القدرة على الجمع بين الذاكرة والمستقبل، وبين الأصالة والانفتاح، وبين التعدد والوحدة. وفي قلب هذا التوازن، تظل المؤسسة الملكية محور الاستقرار الذي يجعل من الاختلاف طاقة بناءة تجمع بين مكونات هذا التعدد في لحمة واحدة.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا

اشترك

يرجى التحقق من البريد الإلكتروني

لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.

لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق