دراسة: الوظيفة الثقافية بالمدرسة المغربية تستدعي أكبر إدماج للأمازيغية - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بيّن بنعيسى يشو، الباحث ومدير مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن “تعزيز الوظيفة الثقافية للمدرسة المغربية يمثل خطوة أساسية نحو بناء مجتمع متماسك يحترم تنوعه الثقافي، ويسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وخلق بيئة تربوية تشجع على التعايش والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع”.

وأشار يشو، في دراسة وقّعها بعنوان “دور الثقافة الأمازيغية في تعزيز الوظيفة الثقافية للمدرسة المغربية”، إلى أن “تحقيق هذه الأهداف التي (…) جلها متضمن في ثنايا مختلف المرجعيات التربوية، يتطلب السهر على ضمان تنفيذ جدي ومفكر فيه لمنهج دراسي مغربي يثمن مختلف المكونات الثقافية الوطنية ويعززها”، مورداً أنه “منهج يعمل على جعل تلك المكونات الثقافية ممتدة، ليس فقط في الزمان، بل حتى في المكان”.

وشدد الباحث عينه، في دراسته الصادرة ضمن العدد الرابع (شتنبر 2025) من المجلة الدولية للدراسات الأمازيغية، على ضرورة الاشتغال على هذه المكونات “وتطويرها لتكون أولا مقبولة لدى أبنائها الذين لم يعايشوا بروزها، وكذا من قبل الآخر الذي يتعرف عليها للمرة الأولى”، وتابع: “لا يمكن أن يكون هذا النهج إلا شاملاً ومتكاملاً أصيلاً ومبتكرا غايته استدماج العناصر الثقافية في جميع مراحل العملية التعليمية والتعريف بها وبأهميتها”.

وذكر الأكاديمي عينه أن “النظام التربوي يعدّ عاملا محددا في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع وفي تعزيز الانتماء الوطني”، وزاد: “تعتبر المناهج التعليمية التي يرتكز عليها كل نظام تربوي أداة جوهرية لغرس القيم الثقافية والتعريف بها وبالرموز الوطنية، وتسهم في تنمية وتطوير اللغة الرسمية، كما تُقدّم سرداً تاريخيا يعكس نظرة الأفراد لماضيهم الجماعي، ما يعزز شعورهم بالانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية”.

ومضى يشو شارحا: “في المغرب يعتبر إدماج الثقافة الأمازيغية جزءاً أساسيا من الإصلاحات التي عرفها النظام التربوي المغربي، لما لها من أهمية في تعزيز التنوع الثقافي واللغوي داخل المجتمع”، مبرزا أنه “مع تزايد الاهتمام بالثقافة الأمازيغية منذ خطاب أجدير سنة 2021، وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مرورا بدسترة اللغة الأمازيغية سنة 2011، وإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية سنة 2023، وما واكب هذه الإصلاحات من مرجعيات تربوية مهمة، مازالت عدة أسئلة مطروحة حول درجة حضور الثقافة الأمازيغية ضمن المشهد الثقافي المدرسي الوطني، وبأية كيفية”.

وبالنسبة لمعدّ الدراسة فإن “لهذه الأسئلة راهنيّتها في مجتمع ينشد الحفاظ على تماسكه الاجتماعي واستدامته، ويتوخى استدماج كل مكونات هويته وجعلها من الرافعات الأساسية لتحقيق تنمية مستديمة في إطار الثوابت الوطنية الراسخة، ووفق نموذج ثقافي هوياتي ملائم يستحضر القدرة التنافسية لباقي القنوات التثقيفية الحديثة التي تتخلل النسيج الاجتماعي المغربي المعاصر”.

كما أكّد الباحث أن “إدماج اللغة الأمازيغية في سلك التعليم الابتدائي بالمغرب أصبحَ واقعا فعليا منذ أكثر من عقدين من الزمن”، وتابع: “رغم أن التلاميذ الذين أتيحت لهم فرصة الاستفادة مما يوفره تعلم اللغة الأمازيغية من فرص للاطلاع على ‘مُكَوّن شرعي ومشروعي’ من هويتهم المغربية، والذين يواصلون تكوينهم الأساس حاليا، ليكونوا مؤهلين لاجتياز مباراة التدريس ويصبحوا مدرسين متخصصين في تدريس اللغة الأمازيغية، عبروا، غير ما مرة، عن أسفهم لعدم استمرارية عملية التحصيل وتعلم الأمازيغية في سلكي التعليم الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي”، ولفت كذلك إلى “محدودية وجودها بالمؤسسات الجامعية المغربية، هذه المستويات الدراسية التي يكون فيها المتعلم على قدر مهم من الفهم والإدراك يسمح له بتمثل جيد لعناصر ثقافته الأصلية، ويجعله قادراً على الابتكار فيها ووضعها على محك التناظر والتقابل مع الثقافات العالمية التي تغزوه يوميا ويرتكن إليها دون مناعة تحصنه منها أو تمكنه من إخضاعها لمنظار النقد والتشريح”.

وأردف يشو بأن “من الفرص المتاحة التي قد تجعل المدرسة المغربية أكثر مواطنة من الناحية الثقافية وجود مرجعية قانونية مهمة، يشكل دستور 2011، الذي اعتبر الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، قاعدتها الأساس”، لافتا كذلك إلى ما “تلا الدستور من قوانين تنظيمية ومراسيم وقرارات وزارية ترمي إلى تفعيل هذا الطابع الرسمي على مستويات عدة”، وزاد شارحا: “تبقى مسألة إعادة النظر في المناهج الدراسية المغربية لتكون ملائمة مع ما ورد في المرجعيات الإستراتيجية وباقي المرجعيات التربوية المؤسسة، من المهام التي تستدعي كفاءة ومعرفة علمية بالأطر النظرية والمرجعية الدولية المسعفة في هذا المجال”، وواصل: “من هذه النظريات على سبيل الذكر لا الحصر نظريات التعدد اللغوي، والتفاهم المتبادل، والتناقل بين اللغات، والتعليم بين الثقافات (التبادل الثقافي)”.

واعتبر مدير مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن “هذه الأطر النظرية توفر معطيات مهمة تسمح لنا بتحليل المعطى الثقافي، وتدعو إلى اعتماد نهج شامل وديناميكي للغات والثقافات وتعزيزه”، مشيرا كذلك إلى “كونها تسلط الضوء على أهمية النظر إلى التنوع اللغوي باعتباره ثروة لبناء ثقافة مدرسية مشتركة وشاملة”.

ويُعتبر اعتماد مدخل “قطب اللغات” في منهاج سلك التعليم الابتدائي، وفق الكاتب، “أمرا مهما، وفرصة سانحة لتعزيز ثقافة مدرسية مواطنة”، موردا أنه “لتحقيق أمثل لهذه الغاية يتوجب تطوير هذا المدخل ليشمل الأسلاك التعليمية العليا، والعمل على إدراج اللغة الأمازيغية بها، ليتيح ليس فقط الاشتغال على الكفايات العرضانية والممتدة بنظام متباين للعلامات، وإنما أيضا ليسمح بتناقل المعطى الثقافي بين هذه اللغات: العربية والفرنسية والأمازيغية، بشكل يجعل عملية استثماره بتوظيف تلك الأنظمة أمرا أكثر أهمية”.

واسترسل الباحث: “ما يُؤمل، استنادا إلى ما ورد في المرتكزات السابقة، هو أن تتمكن المدرسة المغربية من توفير المعارف الثقافية الأساسية التي ينبغي للمدرسة ضمانها لتحقيق الانتماء والارتباط بالثوابت الوطنية والتماسك الاجتماعي، على نحو يسهم في تشكيل هوية وطنية موحدة ويعزز من قيم الانتماء والتماسك الاجتماعي”، مبرزا أنه “يتعين إعداد مناهج دراسية تدمج الثقافة الأمازيغية بشكل ملزم في جميع المراحل التعليمية، سواء تعلق الأمر بالتعليم العمومي أو بالتعليم الخصوصي”.

ويخلص الأكاديمي إلى أن “تحقيق هذه الأهداف مجتمعة لن يتأتى دون توفير موارد بشرية كافية، وذات تكوين متين قائم على مقاربات جد متطورة في مجال التنشيط الثقافي، وفق برامج ومصوغات تكوينية تهدف إلى تنمية وتطوير كفايات مهنية عالية في مجال تعليم وتعلم الثقافة المدرسية بكل معطياتها ومكوناتها الوطنية بدون استثناء؛ مع توفير ما يكفي من الحوامل البيداغوجية والموارد الرقمية القمينة بتيسير العملية التعليمية التعلمية للثقافة المدرسية على نطاق واسع”، وشدد في النهاية على أن “النهوض بهذه المهمة لا ينبغي أن يقتصر على الوزارة الوصية على التعليم وحدها، بل إنها مسؤولية متقاسمة بين جل المتدخلين والفاعلين في الحقل الثقافي الوطني، من مؤسسات وطنية منوط بها القيام بذلك، وكذا دولية ذات مهام الحفاظ على تراث الإنسانية جمعاء، إضافة إلى فعاليات للمجتمع المدني”، وقال: “ينبغي لها أن تضع برامج عمل بمشاريع تستهدف تشجيع الأنشطة الثقافية، وتعمل على توطينها مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق