مقدمة:
يقول إسحاق أسيموف: «الروبوت ليس مجرد آلة، بل إنه آلة تم تصميمها من أجل تقليد البشر على أفضل وجه ممكن».
السؤال الذي نطرحه على أثر هذه المقولة هو التالي: هل يمكن للروبوتات، وخاصة منها الروبوتات الذكية الشبيهة بالبشر التي تأخذ شكل ذكر أو شكل أنثى، أن تقلد البشر في كل شيء، بما في ذلك فهم العواطف والأحاسيس والرغبات مثل الحب والزواج، من خلال التفاعل مع البشر؟
من المعلوم أن عدد الأشخاص البشريين الذين يقرون اليوم بوجود روابط عاطفية عميقة تربطهم بروبوتات الدردشة في ازدياد كبير.
ويعود هذا الأمر إلى ظهور تطبيقات الرفقة على شبكة الإنترنت، التي هي عبارة عن روبوتات شبيهة بالبشر مزودة بالذكاء الاصطناعي العاطفي، والتي طمست الحدود العاطفية والقانونية لدى بعض المستخدمين.
كما ازداد عدد طلبات الزواج الموجهة إلى روبوتات شبيهة بالبشر ومزودة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي العاطفي، بل والزواج بالفعل، وذلك لأنها – كما يقولون – أكثر تفهماً واستجابة من البشر الحقيقيين.
حيث قام أحد الأشخاص، على سبيل المثال، يدعى كريس سميث، وهو متزوج وأب لطفل، بالزواج من روبوت أنثى تدعى “صول”، وهي عبارة عن ذكاء اصطناعي قام هو ببرمجته حسب ذوقه.
وقد دفع تنامي البحث عن الرضا العاطفي من خلال أنظمة الذكاء الاصطناعي، وطلبات الزواج المتزايدة، بل والزواج بالفعل بين البشر والذكاء الاصطناعي، المشرع المقارن إلى حظر هذا النوع من الزواج.
أولاً: الأساس التكنولوجي للزواج بين البشر والآلة
يتمثل الأساس التكنولوجي للزواج، بصفته ارتباطاً عاطفياً بين البشر والروبوت – الآلة، في تطور نوعين من الذكاء الاصطناعي، وهما: الذكاء الاصطناعي الخارق والذكاء الاصطناعي العاطفي.
حيث ظهر في السنوات الأخيرة نوع جديد من الروبوتات، وهي الروبوتات الشبيهة بالبشر والمزودة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي الفائق والمعلوماتيات العاطفية.
أ- الذكاء الاصطناعي الفائق
من أهم أنواع الذكاء الاصطناعي الفائق التي من شأنها أن تجعل الروبوتات قادرة على التصرف مثل البشر، يمكن أن نذكر: الذكاء الاصطناعي التحاوري والذكاء الاصطناعي العام.
1- الذكاء الاصطناعي التحاوري
يشير الذكاء الاصطناعي التحاوري إلى تقنيات، مثل روبوتات المحادثة أو الوكلاء الافتراضيين، التي يمكن للمستخدمين البشريين التحدث إليها.
وهي تستخدم كميات كبيرة من بيانات التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية للمساعدة في تقليد التفاعلات البشرية، والتعرف على مدخلات الكلام والنص أو كليهما معاً، وترجمة معانيها عبر لغات مختلفة.
2- الذكاء الاصطناعي العام
يمثل الذكاء الاصطناعي العام شكلاً أكثر تقدماً من أنواع الذكاء الاصطناعي الأخرى، مثل الذكاء الاصطناعي التحليلي، والذكاء الاصطناعي التنبؤي، والذكاء الاصطناعي التوليدي.
صحيح أن الذكاء الاصطناعي العام مازال حتى الآن نظرياً، لكنه سيكون قادراً قريباً جداً على مضاهاة القدرات البشرية في جميع المجالات الفكرية والعاطفية وغيرها.
ب- الذكاء الاصطناعي العاطفي
عرفت السنوات الأخيرة ظهور ما يسمى بالذكاء الاصطناعي العاطفي، الذي يتجلى في إدماج العواطف والأحاسيس والقدرة على التفاعل مع البشر في نظم ونماذج الذكاء الاصطناعي.
حيث سمحت تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي العاطفي لبعض هذه النظم والنماذج بكشف وتفسير والتفاعل مع العواطف البشرية، مستفيدة من تكنولوجيا الحوسبة العاطفية.
والحوسبة العاطفية هي دراسة وتطوير النظم والأجهزة التي تمتلك القدرة على التعرف على المشاعر الإنسانية والتعبير عنها وتفسيرها.
وهي مجال للبحث ضمن الحوسبة المعرفية، يهتم بتجميع البيانات من الوجوه والأصوات ولغة الجسد من أجل قياس المشاعر الإنسانية.
يتعلق الأمر بميدان للبحث متعدد التخصصات يشمل ميادين المعلوماتية وعلم النفس والعلوم المعرفية، ويتمثل في دراسة التفاعل بين التكنولوجيا والمشاعر الإنسانية.
يعني هذا أنه قريباً ستظهر كيانات ذكاء اصطناعي لها أحاسيس وعواطف تشبه تلك التي يتوفر عليها البشر، وتكون قادرة على التفاعل مع البشر.
هذا يعني أن هذه القدرة ستسمح للبشر والآلات بالتفاعل تفاعلاً أكثر طبيعية، قد تكون مماثلة جداً لآليات التفاعل بين البشر.
وسينشأ عن التفاعل بين البشر والروبوتات الشبيهة بالبشر المزودة بالذكاء الاصطناعي العاطفي، إمكانية تطوير ارتباط عاطفي مثل الحب والكره من هذا الجانب أو ذاك.
نفهم مما سبق أن التطور الهائل الذي عرفته تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة منه الذكاء الاصطناعي العاطفي، قلص إلى حد كبير الهوة بين البشر والروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي الفائق والعاطفي.
فكيف ينظر المشرع المقارن إلى هذا الواقع الجديد الذي من شأنه زعزعة الأسس القانونية التقليدية التي ترتكز عليها مؤسسة الزواج؟
ثانياً: المقاربة التشريعية
اهتم كل من التشريع الأوروبي والتشريع الأمريكي بقضية الزواج بين البشر والذكاء الاصطناعي، وإن اختلفت مقاربة كل واحد منها.
أ- في التشريع الأوروبي
حظر المشرع الأوروبي الزواج بين البشر والذكاء الاصطناعي بطريقة غير مباشرة، من خلال حظر الذكاء الاصطناعي العاطفي.
فنظراً لخطورة هذا النوع من الذكاء الاصطناعي، فقد فرض التقنين الأوروبي حول الذكاء الاصطناعي الصادر بتاريخ 13 يونيو 2024 متطلبات صارمة في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي العاطفي، وذلك بوضعه ضمن فئة “نظم الذكاء الاصطناعي المحظورة”.
و”نظم الذكاء الاصطناعي المحظورة” هي تلك النظم التي تضر بالحقوق الأساسية للأشخاص الطبيعيين.
ب- في التشريع الأمريكي
حظر المشرع الأمريكي الزواج بين البشر والذكاء الاصطناعي بطريقة مباشرة، من خلال حظر هذا النوع من الزواج ومنع منح الشخصية القانونية للروبوتات الذكية لنفس الغاية.
حيث قام أحد المشرعين في أمريكا، وتحديداً في ولاية أوهايو، بتقديم مشروع قانون رقم 469 بتاريخ 25 سبتمبر 2025، يحظر قانوناً الزواج بين البشر وروبوتات الدردشة الذكية.
وينص مشروع القانون على أن: «كل محاولة مفترضة للزواج أو ربط علاقة عاطفية مع نظام للذكاء الاصطناعي تعتبر باطلة ولاغية ولا أثر قانوني لها».
في نفس السياق، ومن أجل قطع الطريق أمام هذا النوع من الزواج، منع مشروع القانون المقترح منح الشخصية القانونية للذكاء الاصطناعي.
وفي حال إقراره، سيصبح هذا القانون أول قانون يحظر الزواج بين البشر والذكاء الاصطناعي.
خاتمة:
إن انتشار هذا النوع من الزواج بين البشر والآلة من شأنه التشكيك في مؤسسة الزواج بين البشر من جنسين مختلفين.
لذلك، نهيب بالمشرع إلى النص منذ الآن في مدونة الأسرة على أن الشكل الوحيد المعترف به قانوناً للزواج هو الزواج بين رجل وامرأة، وليس بين رجل ورجل أو امرأة وامرأة، أو كما بدأ ينتشر اليوم الزواج بين رجل وروبوت امرأة أو امرأة وروبوت رجل.
0 تعليق