بعد أن رفعت حركة “الجيل زد” في بدايات ظهورها بالمغرب شعارات واعدة رفعت آمال الشباب في التغيير السلمي والنضال من أجل منظومة تعليمية جيدة وخدمات صحية تحفظ كرامة المواطن المغربي، بدأت، حسب نشطاء أمازيغ، ملامحُ الانحراف عن هذا المسار تتجلّى شيئا فشيئا، من خلال ما اعتبروه “انزلاقا” إلى متاهات فكرية وإيديولوجية تمسّ ثوابت الهوية المغربية الجامعة، وتعادي الأمازيغية لغة وثقافة.
وندد النشطاء الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الصدد بما وصفوه بـ”التوجّه الإقصائي” الذي بدأ يتسرّب إلى النقاشات الداخلية للحركة على منصة “ديسكورد”، من خلال استضافة وجوه معروفة بمواقفها السلبية تجاه الأمازيغية، وتضييق مساحة التعبير في وجه الشباب الأمازيغي داخل هذه النقاشات، معتبرين أن استبعاد الأمازيغية من النقاش العمومي يُقوّض الثقة في هذا “الحراك الشبابي” الذي كان يُنتظر منه أن يكون جسرا نحو مغرب التعدد والمواطنة المتساوية.
وفي سياق متصل، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بيانا منسوبا إلى شباب “الجيل زيد” المنتمين إلى الحركة الأمازيغية، أعلنوا من خلاله تعليق أنشطتهم في دينامية “GenZ212” احتجاجا على تصريحات مسيئة لقضايا “إيمازيغن”.
وذكر البيان ذاته أن التعليق جاء بعد ما صدر عن أبو بكر الجامعي أثناء استضافته على منصة “ديسكورد”، وكذا التعامل السلبي والمتحيّز لمسيري منصة “GenZ212” تجاه أحد النشطاء، مسجلا رفض الشباب استغلال نضالهم المشروع لخدمة مواقف إيديولوجية أو برامج سياسية معينة.
خطاب سياسي مهيمن
عبد الله بوشطارت، عضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، قال: “كنا نتوسّم خيرا في حركة شباب الجيل زد من أجل النضال والترافع السلمي لتحسين الخدمات الصحية وتجويد التعليم ومحاربة الفساد، لكن للأسف تبيّن في الأيام الأخيرة، من خلال تتبّع النقاشات الدائرة داخل منصات التفاعل والتطبيقات التي يجتمع فيها أعضاء هذه الحركة، ومن طبيعة الشخصيات التي يستضيفونها، بشكل واضح وجلي، أنها تعادي الأمازيغية كهوية ولغة وثقافة ومنظومة حضارية، من خلال الخطاب السياسي المهيمن على نقاشاتها”.
وأضاف الفاعل الأمازيغي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الحركة تهيمن عليها الإيديولوجية القومية العربية التي تعتنقها وتقدّسها بعض التيارات اليسارية المتشددة، وهي أفكار قديمة وبائدة لم تتطور مع التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي، مما جعل حركة الجيل زد تزيغ عن جوهر المطالب الاجتماعية التي أعلنتها منذ بدايتها، وحصرتها في الصحة والتعليم”.
وأوضح المتحدث أن “الحركة أصبحت الآن تخدم مصالح وأهدافا إيديولوجية وسياسية معادية للأمازيغية، وهو ما تأكد لنا من خلال الطريقة التي تم بها منع شاب من طرح سؤال حول إقصاء الأمازيغية في النقاش السياسي والعمومي داخل منصات التواصل التابعة لها، وأيضا بعض الأفكار المغلوطة والخاطئة التي تم نشرها في إحدى النقاشات داخل هذه المنصات من دون العمل على تصحيحها، وهي تكرّس التمييز ضد الأمازيغية”.
وشدّد بوشطارت على أن “استهداف الأمازيغية ليس بريئا في هذه الظرفية التي كنا نتطلع فيها إلى تحقيق المزيد من المطالب والحقوق لصالحها، خاصة وأنها تعاني من إكراهات مؤسساتية وقانونية كثيرة، ومن تراجعات خطيرة في ظل الحكومة الحالية. لكن للأسف، انكشفت أقنعة هذه الحركة الجيلية التي تسعى إلى خدمة أجندة إيديولوجية، وهي توحيد صفوف اليسار الجذري مع بعض الجماعات الإسلامية المعارضة لتحقيق أهداف سياسية غير معلنة”.
تجاهل لمعطيات هوياتية
في سياق ذي صلة، أكّد أبو بكر أنغير، المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، أن “إقصاء الأمازيغية من قبل بعض الأصوات اليسارية والإسلامية ليس أمرا جديدا، بل هو تعبير موضوعي عن أن بعض القوى السياسية والفعاليات الثقافية ببلادنا لا تزال لم توفّق في ملاءمة سياساتها ومواقفها مع المعطيات الهوياتية المغربية الحقيقية، التي تُعتبر فيها الأمازيغية عنصرا رئيسيا مؤسِّسا وأصيلا”.
وأضاف أنغير، في حديث مع هسبريس، أن “أي حركة سياسية مطلبية، أو أي تحرك ثقافيٍّ يقصي الأمازيغية كقضية مشروعة وكمطالب تنسجم مع روح الدستور المغربي الجديد، ومع الاكتشافات الأثرية التي تُبيّن بما لا يدع مجالا للشك أن الأمازيغ هم سكان المغرب الأصليون، وأن ثقافتهم وهويتهم أصيلةٌ وعريقةٌ، فإن كل من يريد تجاوز المطلب الأمازيغي أو تهميشه تكون نضاليته عرجاء وغير مبنية على أسس علمية حقيقية”.
وزاد: “تستغرب الحركة الأمازيغية، بل وتستنكر بشدة، محاولات بعض التيارات والشخصيات المعروفة بعدائها للأمازيغية استغلال حراك شباب الجيل زد ومطالبهم المشروعة في الصحة والتعليم والشغل، وتحذر من أن أي إقصاء للأمازيغية ضمن مطالب الشباب المغربي لن يفيد حراكهم في شيء، بل سيُبعدهم عن فئات عريضة تتوسّم فيهم خيرا لحلحلة بعض الأمور ومعالجة بعض القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية، في إطار نضال شبابيّ يحترم المؤسسات الدستورية للبلاد ويؤمن بالتعدد والاختلاف”.
0 تعليق