في خطوة تعكس ثقة الدول العربية في الاقتصاد المصري، حققت مصر إنجازاً استثمارياً بارزاً بجذب صافي تدفقات استثمارية مباشرة من الدول العربية بلغت 4.17 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2024/2025 (المنتهي في مارس 2025).
وهذا الرقم، الذي يمثل 42% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة إلى مصر والبالغة 9.8 مليار دولار في الفترة نفسها، يأتي كدليل على نجاح الإصلاحات الاقتصادية المصرية في تعزيز جاذبية البلاد كوجهة استثمارية رئيسية في المنطقة العربية.
وشهدت هذه التدفقات نمواً ملحوظاً في الربع الثالث، حيث بلغت 1.55 مليار دولار، مقارنة بـ 1.14 مليار دولار في الربع الثاني، مما يعكس استمرارية الزخم الاستثماري رغم التحديات العالمية مثل التوترات الجيوسياسية والتضخم، ونستعرض التفاصيل كاملة في هذا التقرير، من بانكير.
من الطفرة إلى الاستقرار
ويعد هذا الإنجاز امتداداً للطفرة الاستثمارية التي شهدتها مصر في العام المالي 2023/2024، حيث ارتفعت الاستثمارات العربية إلى 41.5 مليار دولار، مقارنة بـ7.3 مليار دولار في العام السابق، وفقاً لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) الصادر في مايو 2025.
وكانت صفقة "رأس الحكمة" مع الإمارات العربية المتحدة، بقيمة 35 مليار دولار، المحرك الرئيسي لهذه الزيادة، حيث ساهمت في تطوير مدينة متكاملة على مساحة 170.8 مليون متر مربع، مع توقعات بجذب استثمارات إجمالية تصل إلى 150 مليار دولار على المدى المتوسط.
ومع ذلك، التركيز الحالي مبني على الاستثمارات المستدامة والمتنوعة، حيث أكد حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، في تصريحاته أن مصر سجلت صافي تدفقات أجنبية مباشرة بقيمة 9 مليارات دولار في النصف الأول من 2025، مع حصة عربية كبيرة في القطاعات الإنشائية والخدمية.
وهذه التدفقات تأتي في سياق تعافي الاقتصاد المصري بعد أزمة 2022-2023، التي أدت إلى تضخم تجاوز 25%، حيث ساعدت اتفاقية صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار في مارس 2024، إلى جانب الإصلاحات المالية، في استقرار سعر الصرف وتعزيز الاحتياطي النقدي الذي بلغ 46.9 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2024.

وفي تقريرها لعام 2025، أشادت وزارة الخزانة الأمريكية بجهود مصر في جذب الاستثمارات الأجنبية، مشيرة إلى أن الدول العربية ساهمت بنسبة 42% من الإجمالي، مما يعزز من مكانة مصر كأكبر وجهة استثمارية عربية في 2024 بـ30 مليار دولار عبر 122 مشروعاً.
الدول العربية الرئيسية والقطاعات المستهدفة
وتصدر الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول العربية المستثمرة في مصر، حيث استحوذت على أكثر من 50% من الاستثمارات العربية بقيمة 2.4 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى، مع تركيزها الرئيسي على قطاع العقارات والإنشاءات، كما في مشروع رأس الحكمة الذي بدأ تنفيذه في أوائل 2025.
وتليها السعودية بـ775.5 مليون دولار، وتركز على الطاقة المتجددة والصناعات الهندسية، وقطر بـ618.5 مليون دولار في الخدمات المالية والسياحة، والكويت بـ547.7 مليون دولار في الزراعة واللوجستيات.
وهذه التوزيع جاء وفقاً لبيانات CAPMAS في مايو 2025، مع اتفاقيات جديدة مثل حزمة الاستثمارات القطرية بـ7.5 مليار دولار في أبريل 2025، التي تغطي الطاقة والتكنولوجيا.
أما القطاعات، فسيطر القطاع الخدمي على 6.9 مليار دولار من الإجمالي الأجنبي، بما في ذلك السياحة التي حققت 9 مليارات دولار منذ بداية 2025 بفضل 10 ملايين سائح حتى يوليو، والصناعة بـ2.5 مليار دولار، والطاقة البترولية بـ5 مليارات دولار.
كما جذبت المناطق الحرة مثل قنطرة غرب استثمارات بمليار دولار في المنسوجات واللوجستيات، مما أوجد أكثر من 52 ألف فرصة عمل.
التأثير الاقتصادي والفرص المستقبلية
وأدت هذه الاستثمارات إلى نمو الاقتصاد المصري بنسبة 3.8% في 2024/2025، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، مع توقعات بارتفاع إلى 4.2% في 2025 بفضل زيادة الإنتاجية وزيادة الاحتياطي النقدي.
كما ساهمت في خلق آلاف الوظائف، خاصة في الإنشاءات والطاقة الخضراء، حيث يستهدف قطاع الكهرباء العربي 351 مليار دولار حتى 2025، مع حصة مصرية كبيرة مدعومة من الإمارات والسعودية.
وتستهدف مصر جذب 12-15 مليار دولار أجنبياً بنهاية 2025، عبر "الرخصة الذهبية" والتحول الرقمي، مع خطط لـ100 مليار دولار بحلول 2030، وهذه الإنجازات لا تعزز التعافي فحسب، بل تحول مصر إلى مركز إقليمي للاستثمار العربي، مدعوماً بإصلاحات تجعلها أكثر تنافسية.
0 تعليق