في تصعيد جديد يعيد التوتر إلى المشهد الإقليمي، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير، الأربعاء، باحات المسجد الأقصى المبارك، وسط حراسة مشددة من الشرطة الإسرائيلية، وأدى طقوسًا تلمودية داخل ساحاته.
توقيت بالغ الحساسية وتصعيد مستفز
ويأتي هذا الاقتحام في توقيت بالغ الحساسية، بالتزامن مع مفاوضات شرم الشيخ التي تستضيفها مصر بمشاركة وفود من إسرائيل وحركة حماس، وبحضور وسطاء دوليين، سعياً للوصول إلى اتفاق شامل حول ملف المحتجزين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
جدير بالذكر أن وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) أكدت أن بن جفير قاد مجموعة من المستوطنين عبر باب المغاربة، في وقت حمل فيه هؤلاء قرابين نباتية ضمن طقوس “عيد العُرش العبري”، الأمر الذي اعتبرته أوساط فلسطينية استفزازًا سافرًا لمشاعر المسلمين وتصعيدًا متعمداً في المدينة المقدسة.
تصعيد ديني يخدم أهدافًا سياسية
وفي ذات السياق، يرى خبراء في الشؤون الإسرائيلية أن الاقتحام لم يكن عفويًا، بل خطوة محسوبة تهدف إلى توجيه رسائل داخلية وخارجية في آن واحد، خصوصًا في ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة على حكومة نتنياهو لإنهاء العمليات العسكرية في غزة.
وقد أشار تقرير لوكالة رويترز إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منح الضوء الأخضر لهذه المرحلة من صفقة التبادل، مدفوعًا بضرورة تحقيق تقدم ملموس في ملف الأسرى لتخفيف الاحتقان الشعبي وتجنب أزمة داخلية مع الجناح اليميني المتطرف بقيادة بن غفير.
وفي المقابل، أوضحت حركة حماس للوسيط المصري أنها تخشى المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ بنود الاتفاق، مؤكدة تمسكها بإطلاق سراح عدد من القادة البارزين، من بينهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات، كشرط أساسي للبدء في أي تهدئة ميدانية.
وفي ضوء ذلك، طالبت الحركة بضمانات مكتوبة وآليات تنفيذ واضحة، مؤكدة أن الالتفاف على الاتفاق أو تأجيله سيقوض الثقة بالوسطاء ويعيد الميدان إلى مربع التصعيد.
شرم الشيخ... مفاوضات على حافة الانفجار
تُعد مفاوضات شرم الشيخ الحالية من أخطر الجولات التفاوضية منذ بدء الحرب على غزة، إذ تسعى مصر إلى تثبيت هدنة مرحلية تتضمن تبادل الأسرى ووقف العمليات العسكرية تدريجياً.
ومن جانبه، أكد مصدر دبلوماسي عربي أن الوساطة المصرية تواجه تحديات كبيرة بسبب تباين المواقف بين الطرفين، موضحاً أن إسرائيل ترغب في حسم ملف المحتجزين أولاً، بينما تصر حماس على ربط الملفات ببعضها وتحديد جدول زمني ملزم يشمل رفع الحصار وإعادة الإعمار.
وفي ذات الإطار، نقلت صحيفة الجارديان البريطانية أن الأطراف المشاركة تبادلت بالفعل قوائم أولية بأسماء المحتجزين من الجانبين، وسط ضغوط أمريكية وقطرية لتسريع الاتفاق، في حين تميل إسرائيل إلى إبقاء غالبية قواتها داخل قطاع غزة حتى انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
وفي السياق ذاته، أثار اقتحام بن جفير للمسجد الأقصى موجة واسعة من الإدانات في العواصم العربية والإسلامية، حيث اعتبرته وزارات الخارجية في عدة دول خرقًا للوضع التاريخي القائم في الحرم الشريف واستفزازًا صريحًا لمشاعر المسلمين حول العالم.
ومن جانبها حذّرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من أن استمرار الاقتحامات قد يشعل جولة جديدة من المواجهات في القدس والضفة الغربية.
وبدورها دعت الولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية إلى ضبط النفس واحترام الوضع القائم في الأماكن المقدسة، مؤكدة أن أي تصعيد في القدس “يعرقل جهود الوساطة ويهدد فرص الوصول إلى اتفاق شامل”، وفق ما نقلته وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي رفيع.
تحليلات الخبراء.. بين الرسائل الداخلية والرمزية الدينية
وفي ذات السياق، يرى مراقبون دوليون أن اقتحام الأقصى في هذا التوقيت يحمل دلالات رمزية عميقة، إذ يُستخدم كورقة ضغط سياسي في سياق مفاوضات حاسمة تتعلق بمستقبل الصراع.
وفي هذا الصدد، يشير محللون إلى أن حكومة نتنياهو تسعى لطمأنة جمهور اليمين المتشدد، عبر إظهار الحزم الديني والأمني في القدس، مقابل المرونة في طاولة المفاوضات.
بينما تعتبر حماس الخطوة محاولة “لخلط الأوراق” وإرباك الوسطاء، في وقت ترى فيه أن ورقة المسجد الأقصى تمثل بُعدًا معنويًا لا يقل أهمية عن البعد العسكري أو السياسي.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
وفي ضوء هذه التطورات، يتوقع محللون أن يشهد المشهد ثلاثة مسارات محتملة:
نجاح جزئي للمفاوضات يؤدي إلى صفقة تبادل محدودة وهدوء مؤقت في غزة.
فشل التنفيذ بسبب التعنت الإسرائيلي، ما قد يدفع حماس إلى التصعيد الميداني في غزة والضفة.
استمرار المماطلة التي تُبقي الوضع الميداني متوتراً دون تقدم فعلي، مع توظيف الأحداث في الحملات السياسية الداخلية بإسرائيل.
وفي هذا الإطار، حذّر خبراء من أن أي إخلال بالاتفاق سيعيد المنطقة إلى دائرة العنف، خصوصًا إذا استُخدم المسجد الأقصى كرمز تعبوي لإشعال المواجهة.
ما بين الرمز والسياسة
ختامًا، يمكن القول إن اقتحام الأقصى لم يكن مجرد حادث ديني، بل خطوة سياسية تحمل رسائل متعددة الاتجاهات؛
فهو رسالة داخلية للتيار الديني المتشدد في إسرائيل، وضغط تفاوضي على حماس في آن واحد،
كما أنه إنذار مبكر للوسطاء الدوليين بأن أي اتفاق لا يراعي حساسية المقدسات سيبقى هشًا ومهددًا بالانفجار في أي لحظة.
وفي ضوء ذلك، يكمن دور مصر المحوري في الأمل لتثبيت الهدنة، وإعادة الأطراف إلى مسار سياسي متوازن يحفظ للأقصى قدسيته، وللمنطقة استقرارها.
0 تعليق