في واحدة من أكثر قضايا التهريب إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، أصدرت محكمة أمريكية حكماً بالسجن لمدة أربعين عاماً على مهرب الأسلحة الباكستاني محمد بهلاوان بعد إدانته بخمس تهم خطيرة، من بينها نقل مكونات صواريخ باليستية إيرانية الصنع إلى جماعة الحوثيين في اليمن ضمن عملية بحرية معقدة تم تنفيذها عبر قارب صيد صغير يُعرف باسم "يونس"، حيث كشفت التحقيقات أن تلك العملية لم تكن الأولى من نوعها بل جزء من شبكة تهريب أكبر موّلتها جهات على صلة بالحرس الثوري الإيراني، وامتدت خطوطها من الموانئ الإيرانية جنوباً إلى السواحل الصومالية واليمنية.
عملية بحرية مأساوية
اعتُقل بهلاوان في يناير 2024 خلال مداهمة نفذتها القوات الأمريكية في بحر العرب بعد تعقّب القارب المشتبه به، إلا أن العملية تحولت إلى مأساة حين فقد اثنان من عناصر القوات الخاصة حياتهما غرقاً أثناء محاولتهما الصعود على متن القارب، وهو ما أضاف للقضية بعداً إنسانياً وعسكرياً عميقاً، خصوصاً بعد أن تبين أن الطرود التي كانت على متن القارب تضمنت مكونات صواريخ باليستية كروز مضادة للسفن ورؤوساً حربية متطورة صُنعت في إيران وكان يُفترض أن تُسلّم للحوثيين في اليمن لاستخدامها في هجماتهم ضد السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن.
القبطان الذي وصف نفسه بـ"الميت الحي"
أظهرت وثائق المحكمة أن بهلاوان كان يدرك تماماً خطورة المهمة التي كُلّف بها، إذ كشفت رسائل نصية أرسلها لزوجته قبل الرحلة أنه وصف نفسه بـ"شخص ميت يمشي"، طالباً منها الدعاء بالنجاة والعودة، في حين أثبتت إفادات الطاقم أن الرجل كان يسيطر عليهم بالخوف والتهديد، مطالباً إياهم بالكذب على القوات الأمريكية وإنكار أنه القبطان الحقيقي بعد القبض عليهم، وهو ما اعتبره الادعاء محاولة متعمدة لعرقلة العدالة والتستر على الجهة التي تقف خلف العملية.
شريان تهريب يربط إيران بالحوثيين
كشفت التحقيقات أن الرحلات التي نفذها بهلاوان في أواخر عام 2023 كانت تمر عبر موانئ إيرانية مثل تشابهار وكونارك، حيث يتم تحميل الصناديق الثقيلة على القارب ثم تُنقل ليلاً إلى سفن صغيرة قبالة سواحل الصومال، قبل أن تُهرّب لاحقاً إلى شواطئ اليمن الجنوبية ومنها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في مسار تهريب متكرر تم رصده على مدى سنوات استخدمته شبكات لتهريب أكثر من مليوني قطعة ذخيرة وآلاف صواريخ باليستية والأسلحة الخفيفة بحسب تقارير دولية.
تأثير مباشر على الملاحة العالمية
أوضحت المحكمة أن عمليات تهريب صواريخ باليستية هذه ساهمت بشكل مباشر في تصعيد الهجمات الحوثية التي أجبرت شركات الشحن العالمية على تحويل مساراتها بعيداً عن البحر الأحمر نحو رأس الرجاء الصالح، ما أدى إلى زيادة زمن الرحلات البحرية بما يصل إلى اثني عشر يوماً ورفع تكاليف النقل بملايين الدولارات، فيما لا تزال آثار هذه الأزمة الاقتصادية والأمنية مستمرة حتى اليوم رغم تراجع وتيرة الهجمات.
عدالة لا تعرف المجاملة
رغم محاولات الدفاع التماس الرأفة بحجة الأوضاع الصعبة لعائلة المتهم، فإن المحكمة شددت على أن الجرائم التي ارتكبها تتجاوز الاعتبارات الإنسانية الفردية، مؤكدة أن الحكم الطويل جاء متناسباً مع طبيعة الجريمة وخطورتها وتأثيرها على الأمن الدولي، لتطوى بذلك صفحة أحد أبرز مهربي السلاح الذين ربطوا البحر بالصواريخ، والصيد بالموت.
0 تعليق