من الذكاء الاصطناعي للصواريخ.. هل ... - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة، لم تعد المنافسة بين القوى الكبرى تدور فقط حول الأسواق والتجارة، بل باتت معركة مفتوحة على مصادر القوة التكنولوجية والمعادن الحيوية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الرقمي والدفاعي العالمي.

ومع كل أزمة جديدة تمس سلاسل الإمداد أو الموارد الاستراتيجية، تتكشف فصول “حرب باردة جديدة” عنوانها السيطرة على المعادن النادرة التي تصنع الفارق في سباق الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والصناعات الدفاعية.

أوروبا الخاسر في صراع المعادن النادرة

تقف أوروبا اليوم في وضع بالغ الحساسية داخل هذه المعادلة المعقدة، فهي شريك استراتيجي لواشنطن، لكنها في الوقت ذاته تعتمد على بكين في الحصول على معظم احتياجاتها من المعادن النادرة، فبين ضغوط التحالف الغربي وقيود التصدير الصينية، تبدو القارة العجوز وكأنها عالقة في المنتصف، عاجزة عن تأمين استقلالها التكنولوجي أو حماية أمنها الصناعي.

وبحسب تقرير نشرته “سكاي نيوز” أكدت فيه أن صحيفة فايننشال تايمز، كشفت أن التنافس بين الشرق والغرب لم يعد مجرد صراع نفوذ اقتصادي، بل معركة استراتيجية على الموارد التي تحدد مستقبل القوة. 

768.jpeg
هل تدفع أوروبا تدفع ثمن الصراع الأميركي - الصيني على المعادن النادرة؟

فكما تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة على غزو الفضاء وتطوير التسليح، يتجدد المشهد اليوم بين واشنطن وبكين، غير أن أوروبا تبدو المرشحة لتكون الخاسر الأكبر في صراع المعادن النادرة.

الصين تفرض قيودا على تصدير المعادن النادرة

ففي السنوات الأخيرة، فرضت الصين قيودا مشددة على تصدير عناصر الأرض النادرة المستخدمة في صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة والغواصات.

وتشير بيانات تحليلية إلى أنه خلال أسبوع واحد فقط من الصراع الإيراني الإسرائيلي في يونيو الماضي، استهلك ما يقرب من 16 طنا متريا من تلك المعادن داخل الأسلحة المستخدمة في القتال.

كما أن أداء أوكرانيا في حرب الطائرات المسيّرة مع روسيا يعتمد بدرجة كبيرة على المكونات الإلكترونية الصينية، في حين تزداد معاناة الصناعات الدفاعية الأوروبية من نقص المواد الخام وارتفاع تكلفتها.

هيمنة صينية وتراجع غربي

على مدى ثلاثة عقود، تمكنت الصين من احتلال موقع الصدارة عالميا في معالجة أكثر من 50 نوعا من المعادن المصنفة "حرجة" للصناعة الأميركية، وفق هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وتنتج بكين هذه المعادن بتكلفة تقل بنسبة 30% عن منافسيها، ما يجعلها في موقع احتكاري يصعب كسره دون دعم حكومي ضخم من الغرب.

769.png
هل تدفع أوروبا تدفع ثمن الصراع الأميركي - الصيني على المعادن النادرة؟

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى حرمان الصين من الشرائح الدقيقة الأكثر تطورا، رغم أن إنتاج معظمها يتركز فعليا في شركة TSMC التايوانية، وهكذا تدور دائرة الحرب التكنولوجية بين قوتين كلتاهما تمسك بزمام مكون أساسي من مستقبل الصناعة العالمية.

هل تدفع أوروبا تدفع ثمن الصراع الأميركي - الصيني؟

وبحسب تقرير “سكاي نيوز”، يرى خبراء أن أوروبا تدفع فاتورة صراع لا تملك أدواته، وهو ما أكدته الدكتورة وفاء علي، أستاذة الاقتصاد والطاقة، قائلة: “أوروبا أدمنت الاعتماد على المعادن النادرة القادمة من الصين، الأمر الذي جعلها الطرف الأضعف في هذه المواجهة”.

وأضافت الدكتورة وفاء علي أن القيود الصينية على التصدير "ضربة تكتيكية" تهدف إلى حماية الأمن القومي الصيني وتعزيز السيطرة على سلاسل الإنتاج العالمية.

وأشارت إلى أن الحرب في أوكرانيا أعادت تسليط الضوء على أهمية هذه العناصر في الصناعات الدفاعية، خاصة الطائرات المسيرة، لتجد أوروبا نفسها أمام تحدٍ وجودي يهدد أمنها الصناعي واستقلالها الاستراتيجي.

القيود الصينية ومستقبل الصناعة الأوروبية

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن المفوض التجاري بالاتحاد الأوروبي ماروس سيفكوفيتش قوله إن القيود الصينية الجديدة على تصدير المعادن النادرة تمثل "قضية حاسمة" للاتحاد، إذ تهدد استقرار الصناعة الأوروبية في قطاعات الطاقة والذكاء الاصطناعي والدفاع.

وأضاف سيفكوفيتش أن هذه الإجراءات “غير مبررة وتسبب مشاكل كبيرة للشركات الأوروبية"، مشيرًا إلى أن بكين باتت تفرض موافقات خاصة على تصدير بعض المعادن أو المنتجات التي تحتوي على مكونات نادرة.

ورغم تأكيد وزارة التجارة الصينية أن الإجراءات ليست حظرا بل تهدف إلى حماية الأمن القومي واستقرار سلاسل الإمداد، فإن الرسالة بدت واضحة لأوروبا: مفاتيح الصناعة المتقدمة تمر عبر بوابة الصين.

770.png
هل تدفع أوروبا تدفع ثمن الصراع الأميركي - الصيني على المعادن النادرة؟

المعادن النادرة "الفيتامينات الصناعية" 

تصف الكاتبة الصينية سعاد ياي شين هوا المعادن النادرة بأنها "الفيتامينات الصناعية" للعصر الحديث، إذ تدخل في كل الصناعات الحيوية من السيارات الكهربائية إلى الطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع المتقدمة. 

وتؤكد أن أمن الإمدادات الخاصة بهذه الموارد يرتبط مباشرةً بعصب الاقتصاد الأوروبي، غير أن التبعية المستمرة لبكين جعلت أوروبا عرضة لتقلبات الأسعار وارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع ربحية القطاعات الخضراء.

وتوضح أن حتى المنتجات الأميركية التي تستوردها أوروبا وتحتوي على عناصر نادرة تعود أصولها في الأساس إلى الصين، ما يخلق "حلقة اعتماد غير مباشرة" يصعب كسرها، مشيرة إلى أن أي محاولة أوروبية للتحول إلى مصادر بديلة تصطدم بحقيقة أن الصين تحتكر تقنيات تكرير هذه المعادن.

771.png
هل تدفع أوروبا تدفع ثمن الصراع الأميركي - الصيني على المعادن النادرة؟

من يملك المعادن يملك القرار

يبدو أن سباق السيطرة على المعادن الحيوية لن يكون مجرد تنافس اقتصادي، بل سيتحول إلى محور حاسم في تحديد موازين القوة خلال العقود المقبلة. فالمتفوق في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والتقنيات الدفاعية هو من سيتحكم في اتجاه العالم الجديد.

وفي حين تسعى واشنطن وبكين إلى ترسيخ هيمنتهما على مفاصل الصناعة المتقدمة، تقف أوروبا أمام معادلة صعبة: إما أن تستثمر بقوة في بناء منظومة تكنولوجية مستقلة، أو تظل عالقة بين فكي الصراع في حرب تكنولوجية بين أمريكا والصين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق