صحوة أوروبا ضد الإخوان من «التسلل الناعم» إلى المواجهة الصريحة مع التطرف المقنّع برداء الديمقراطية - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تعيش أوروبا فصلًا جديدًا من المواجهة مع تنظيم الإخوان، بعد أن كشفت تقارير أمنية غربية عن شبكات مترابطة استغلت فضاءات الحرية السياسية والقضائية لتأسيس كيانات دعوية وخيرية وفكرية تعمل كأذرع ناعمة للتنظيم.
وبحسب التقارير، فإن الجمعيات والمراكز التي تحمل عناوين ثقافية أو إنسانية، كانت في الواقع منصات للتجنيد والتأثير وبناء نفوذ سياسي موازٍ داخل المجتمعات الأوروبية، ما دفع الحكومات والبرلمانات إلى مراجعة القوانين والتشريعات لمنع ما وُصف بـ«الاختراق الصامت» للمجال المدني والمؤسسي الأوروبي

فرنسا في المقدمة.. من العقوبات إلى تعديل القوانين

في باريس، تصدرت فرنسا موجة التحركات الأخيرة، حيث أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن توسيع لائحة العقوبات المفروضة على تنظيم الإخوان، وتجميد الأموال والتبرعات الموجهة لكيانات مرتبطة به.

69.png


لكن الإجراء الأبرز تمثل في إعداد مشروع قانون جديد يُتوقع دخوله حيز التنفيذ قبل نهاية عام 2025، بهدف سد الثغرات القانونية التي تستغلها الجماعات الدينية المتطرفة «لسرقة» مظلة الحرية والديمقراطية من الداخل.
وكشفت صحيفة لوموند الفرنسية أن الإليزيه يعتبر تمدد الإخوان في الأحياء المهمشة تهديدًا مباشرًا لـ«تماسك الدولة»، بعد أن بنت الجماعة هناك شبكات دعوية وخيرية غيّرت ملامح المجتمع المحلي.

"منطقة رمادية" قانونية غذّت تمدد الجماعة

وأشار مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في فيينا إلى أن الإخوان استفادوا لعقود من «منطقة رمادية» في القوانين الأوروبية، إذ لم تُحظر الجماعة رسميًا، لكنها لم تُصنف كتنظيم إرهابي، ما أتاح لها التحرك بحرية عبر واجهات تبدو قانونية

وأوضح المركز أن القوانين الأوروبية تُسهّل تأسيس الجمعيات الخيرية ومراكز الثقافة والمدارس الدينية، ما يحدّ من قدرة السلطات على المراقبة المباشرة، ويسمح للجماعة بالتغلغل في المجتمعات تحت لافتة «العمل المدني».

باحثون: الإخوان استخدموا قوانين التسامح لتقويض الديمقراطية

ومن جانبة أكد المحلل السياسي الفرنسي ألكسندر ديل أن الرئيس ماكرون هو أول زعيم فرنسي عبّر بوضوح عن موقف مناهض لجماعة الإخوان، بعدما أدرك أن التنظيم يستغل القوانين الديمقراطية لتقسيم المجتمع.

وأوضح ديل فال في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية أن الجماعة نجحت في توظيف قوانين مكافحة العنصرية وحقوق الإنسان لتقديم نفسها كـ«أقلية مضطهدة» تستحق الحماية، بينما هدفها الحقيقي هو فرض أجندة أيديولوجية تناقض قيم الديمقراطية ذاتها.
وأضاف الباحث: «تحولت قيم التسامح في أوروبا إلى أداة يستخدمها المتطرفون لتمرير مشروعهم اللاتسامحي. نحن نُدمّر أنفسنا بقوانيننا، فالتسامح أصبح السلاح الذي يفتح الطريق أمام التطرف للانتصار من داخل منظومتنا القانونية».

شبكات قانونية بواجهات مدنية.. وأجهزة الأمن في سباق المراقبة

ومن جانبه، أوضح رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد أن الإخوان يمتلكون خبرة طويلة في العمل داخل أوروبا تعود إلى أربعينيات القرن الماضي، مكنتهم من الإفلات من رقابة الأجهزة الأمنية بفضل واجهات تبدو «شرعية».
وأشار إلى أن الجماعة تستغل مفاهيم حرية الرأي والعمل المدني لنشر أيديولوجيتها وبناء مجتمعات موازية داخل الدول الأوروبية، مؤكداً أن بعض هذه الكيانات ساهمت في دعم جماعات متطرفة، وترويج خطاب متشدد عبر الإنترنت تحت غطاء «حرية التعبير».
وأضاف أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تراجعاً ملموساً في نشاط الجماعة نتيجة تشديد الرقابة من أجهزة الاستخبارات الأوروبية، لكنه حذر من أن التنظيم ما زال يمتلك بنية مرنة تمكنه من التكيف مع الضغوط القانونية والسياسية

نهاية مرحلة "الاختراق الصامت"

هذا وقد تُظهر التطورات الأخيرة أن أوروبا بدأت تدرك أن الحريات التي شكّلت جوهر نظامها الديمقراطي تحوّلت إلى ثغرة استغلها الإخوان ببراعة، ما استدعى مراجعة عميقة للأطر القانونية والسياسية التي سمحت بنمو تلك الشبكات.
فبعد عقود من الصمت، تتجه القارة العجوز إلى مرحلة جديدة من الحزم التشريعي والمراقبة الأمنية، تضع حدًا لاستخدام الخطاب الحقوقي كستار لنشاط سياسي مؤدلج.
وربما تكون هذه التحركات بمثابة نقطة تحول تاريخية في علاقة أوروبا بتنظيم الإخوان، إذ تتبدل قواعد اللعبة: من "التسلل الناعم" إلى المواجهة الصريحة مع التطرف المقنّع برداء المدنية.

الرؤية العربية: تحذيرات سابقة تتحقق

من منظور عربي، تمثل هذه التحركات الأوروبية اعترافًا متأخرًا بصحة ما حذرت منه القاهرة وعدة عواصم عربية على مدى سنوات، بشأن خطورة تغلغل تنظيم الإخوان في المجتمعات تحت ستار العمل الخيري وحقوق الإنسان.
فالدول العربية التي خاضت معارك فكرية وأمنية ضد هذا التنظيم كانت ترى بوضوح أن مشروعه لا يقف عند حدود الدين أو الدعوة، بل يسعى إلى تفكيك الدول من الداخل عبر استغلال القوانين والمؤسسات الديمقراطية نفسها.
واليوم، بعدما بدأت أوروبا تدرك هذا الخطر، تتقاطع الرؤية العربية والأوروبية في نقطة جوهرية: أن مواجهة التطرف لا تكون بتقييد الحريات، بل بحمايتها من الاستغلال، وأن ضبط العمل المدني والفكري ضرورة لحماية الديمقراطية من أعدائها المتخفّين تحت عباءتها.أثر هذه الصحوة الأوروبية ضد الإخوان يمكن تلخيصه في عدة مستويات سياسية وأمنية ومجتمعية، أبرزها:

1. تشديد الرقابة القانونية والأمنية:

بدأت الحكومات الأوروبية، خاصة في فرنسا وألمانيا والنمسا، في مراجعة الأطر القانونية التي سمحت للإخوان بالتحرك بحرية تحت مظلة الجمعيات والمنظمات الخيرية، مما أدى إلى تجميد تمويلات وإغلاق مراكز ومؤسسات مشبوهة كانت تعمل كواجهة لأنشطة دعوية وسياسية.
 

2. تراجع النفوذ الإخواني داخل المؤسسات المدنية:
 

مع ازدياد وعي البرلمانات الأوروبية بخطورة "التسلل الناعم"، تقلص نفوذ الجماعة داخل المجالس المحلية والهيئات التعليمية والثقافية، التي كانت تستغلها لنشر أفكارها أو التأثير في السياسات العامة.

3. تحول الخطاب السياسي والإعلامي الأوروبي:

بدأت وسائل الإعلام وصنّاع القرار في تغيير نظرتهم إلى الجماعة، فلم تعد تُقدّم كحركة دينية معتدلة، بل كتنظيم سياسي أيديولوجي يسعى إلى تقويض النظم الديمقراطية من الداخل عبر شعارات زائفة عن الحرية والمساواة.

4. تعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدول الأوروبية:

تبادلت الأجهزة الأمنية المعلومات حول الشبكات المرتبطة بالإخوان، ووضعت خططًا مشتركة لرصد التمويلات العابرة للحدود ومنع انتقال النشاط من دولة إلى أخرى تحت غطاء القانون.

5. إعادة رسم العلاقة بين الدين والدولة في أوروبا:
 

دفعت هذه الصحوة إلى إعادة التفكير في مفهوم العلمانية الأوروبية، وضرورة وضع حدود واضحة تمنع استغلال الحرية الدينية في تمرير أجندات سياسية متطرفة.
هذه الصحوة تمثل بداية تحول جذري في الموقف الأوروبي من الإخوان، من التساهل والحياد إلى المواجهة القانونية والفكرية، في محاولة لإنقاذ منظومتهم الديمقراطية من اختراق ناعم كان يهددها من الداخل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق