الذهب لا يصدأ.. لماذا لا يهرب ... - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في كل أزمة مالية تضرب العالم، من انهيار الأسواق إلى الحروب والنزاعات، يلتفت الجميع إلى الذهب وكأنه طوق نجاة لا يخيب، تتهاوى العملات، وتضطرب الأسهم، وتتراجع السندات، لكن المعدن الأصفر يظل صامدا في مواجهة كل العواصف. 

الذهب أم الألماس؟

المفارقة أن الألماس، بكل ما يحمله من رمزية الثراء والندرة والجمال، لا يحظى بالمكانة ذاتها في عقول المستثمرين، رغم أنه أكثر ندرة في بعض الأحيان، فما الذي يجعل الذهب يحتفظ بثقة العالم بينما يستبعد الألماس من حسابات الأمان المالي؟

الجميع يذهب للذهب لما يحمله من صفات النقد الحقيقي، حيث يمكن تقسيمه، وتخزينه، وتداوله عالميا، وله تسعيرة شفافة معلنة يوميا في كل بورصات العالم، أما الألماس، رغم بريقه، فهو أصل غامض القيمة، لا يمكن توحيد معاييره بسهولة، ولا توجد له بورصة أو سوق عالمية منظمة تحدد سعره بشكل واضح. ومن هنا يبدأ الفارق بين أصلٍ يُقاس بالثقة وآخر يُحكم بالذوق.

الألماس غير آمن.. لماذا؟

في بداية الألفية، بدا الألماس كأنه يخطو نحو مكانة الذهب في الأسواق المالية، فبين عامي 1999 و2012، حقق الألماس الأبيض عائدا سنويا بلغ 8.1%، متفوقا على عوائد الأسهم في أوروبا والولايات المتحدة، بحسب بيانات بلومبرج، وحينها، ظن البعض أن بريق الألماس سيتحول إلى ثروة مستدامة.

37.jpg
 الذهب لا يصدأ.. لماذا لا يهرب الناس إلى الألماس وقت الأزمات؟

لكن الانقلاب جاء سريعا مع ظهور الألماس المصنع معمليا، الذي حطم أسطورة الندرة وأربك قواعد السوق، فالمعامل الحديثة بدأت تنتج أحجارا مطابقة تقريبا للطبيعي في الشكل واللمعان، لكن بتكلفة أقل بكثير، ما أدى إلى انهيار الفارق السعري وتآكل القيمة الجوهرية للألماس الطبيعي. 

فاليوم، قد تكون قيمة خاتم الذهب الذي يحمل الألماس أعلى من قيمة الحجر نفسه، وهو مشهد يلخص كيف فقد الألماس سحره الاستثماري لصالح الذهب الذي لم يتنازل يومًا عن مكانته.

أسعار الذهب تسجل مستويات قياسية

على النقيض، ظل الذهب وفيا لتاريخه الطويل كـ"عملة الطوارئ" في أوقات الخطر، فخلال العام الجاري وحده، قفز سعر الأونصة الذهبية بأكثر من 47% متجاوزا حاجز 4 آلاف دولار، في وقت كانت فيه الأسواق تضج بالتوترات الجيوسياسية ومخاوف الركود، الذهب لا يستهلك، ولا ينتج معمليا، ولا يفقد بريقه، وهو ما جعله اصلا مضادا للأزمات بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

إنه ليس مجرد معدن، بل ذاكرة اقتصادية جماعية، تحملها الشعوب والبنوك المركزية والمستثمرون على حد سواء، فبينما تذوب الثقة في العملات والسياسات النقدية، يظل الذهب محتفظا بقدرته على حفظ القيمة في أي مكان من العالم.

38.jpg
 الذهب لا يصدأ.. لماذا لا يهرب الناس إلى الألماس وقت الأزمات؟

الأصول الأربعة.. ميزان الثقة في الاقتصاد

الاقتصاد العالمي يدور حول أربعة أصول رئيسية: الأسهم، والذهب، والسندات، والنقد، لكن بينما تستمد قيمة السندات والنقد من قوة العملة المحلية، وتتعرض لتآكل فوري إذا فقدت تلك العملة قيمتها.

فإن الذهب يمتلك قيمة جوهرية مطلقة لا ترتبط بحدود جغرافية أو سياسات مالية، ولهذا، كلما فقدت الأسواق توازنها، عاد المستثمرون إلى الذهب لأنه ببساطة لا يتحدث بلغة الحكومات، بل بلغة الزمن.

الألماس النادر.. ترف لا استثمار

حتى الأنواع النادرة من الألماس الطبيعي الملون، التي ما زالت تحتفظ بسحرها، تبقى في دائرة الرفاهية الخاصة بالنخبة، لا في نطاق الملاذات الآمنة، أسعارها الفلكية تجعلها أشبه بلوحات فنية فريدة.

39.jpg
 الذهب لا يصدأ.. لماذا لا يهرب الناس إلى الألماس وقت الأزمات؟

كما أنها لا يمكن تسييلها بسهولة، ولا يمكن اعتبارها أصلًا لحماية الثروة في أوقات الاضطراب، وهكذا، وبينما يبهت بريق الألماس أمام واقع الأسواق، يواصل الذهب تثبيت نفسه كـ رمز الأمان واليقين في عالم يتغير كل يوم.

قد يلمع الألماس أكثر، لكنه لا يحمي الثروة، أما الذهب، فيظل أصل الثقة الأول، لا يقاس بجماله بل بثباته، ولا يُشترى للزينة بل للاطمئنان، وحين تشتعل الأزمات ويبحث العالم عن ملاذ، لا يذهب أحد إلى متاجر الألماس، بل إلى خزائن الذهب، حيث الأمان الحقيقي لا يحتاج إلى بريقٍ ليُثبت وجوده.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق