أفعال وعقوبات سجنية ثقيلة تنتظر عددا ممن تمت متابعتهم بعد تورطهم في أحداث التخريب والعنف والشغب، شهدتها عدد من أقاليم المملكة بلغت حسب المعطيات الرسمية لوزارة الداخلية 23 إقليما وعمالة.
وبينما لا يزال البحث في مدينة سلا جاريا عن عدد ممن ثبت تورطهم في مقاطع فيديو مصورة وأخرى وثقتها كاميرات مراقبة في تخريب ممتلكات عامة وخاصة فضلا عن أشياء مخصصة للمنفعة العامة، تابع الوكيل العام بالمحكمة الابتدائية تيزنيت، في رقم الملف 2025/ 2103/ 143 ضمن القضية المصنف في إطار “جنحي تلبسي تأديبي اعتقال”، ما مجموعه 11 شخصا جرى استدعاؤهم لجلسة عقدت بعد زوال أمس الخميس، حسب ما طالعته هسبريس في وثيقة رسمية.
وبخصوص الفصول القانونية التي تم اللجوء إليها، فإنها توزعت بين الفصول 263-267 من مجموعة القانون الجنائي، فضلا عن “الفصول 17-20 من ظهير 15 نونبر 1958 (بشأن التجمعات العمومية والحريات العامة) فضلا عن الفصل 595 من مجموعة القانون الجنائي.
وهمّ صك الاتهام، في المجمل، تهَمَ “العنف في حق موظفين عموميين أثناء قيامهم بوظائفهم نتج عنه إراقة دم”، و”حيازة السلاح بدون مبرر مشروع في ظروف من شأنها أن تشكل تهديدا لسلامة الأشخاص والأموال”. كما توبع بعض المتهمين بـ”التواجد في مظاهرة حاملا للسلاح”، و”التجمهر المسلح في الطريق العمومية”، مع “تعييب شيء مخصص للمنفعة العامة”.
وفي مدينة سلا التي أوقفت المصالح الأمنية بها بحي الأمل أزيد من 90 شخصا يشتبه تورطهم في أعمال تخريب استهدفت ممتلكات عمومية وخاصة، وفق ما هو موثق في عدد من الفيديوهات التي تناقلتها مواقع التواصل، تتواصل مجريات تحقيق فُتح تحت إشراف النيابة العامة للكشف عن جميع ملابسات هذه الأحداث وتحديد باقي المتورطين.
“جدّية المعالجة الزجرية”
تفاعلا مع الموضوع، قال المحامي شعيب لمسهل، رئيس المركز المغربي للوعي القانوني، إنه “من منظور قانوني، يحيط القانون الجنائي المغربي بمجموعة واسعة من الأفعال التي تصنف ضمن العنف والشغب والتخريب والاعتداء على الأشخاص والممتلكات، ويضع لها عقوبات صارمة. هذه الأطر القانونية تشمل كذلك حالات العنف داخل الملاعب؛ لكنها أساسا مستمدة من الباب الجنائي المتعلق بالعنف، حيث تتراوح العقوبات حسب خطورة الفعل المرتكب”.
واعتبَر لمسهل، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المتابعات القضائية الصادرة عن النيابة العامة على خلفية أعمال التخريب التي شهدتها مدن مغربية عديدة تندرج ضمن حالة التلبس؛ ما يصعب دحض الوقائع”.
وأوضح رئيس المركز المغربي للوعي القانوني أن “المتابعات شملت أفعالا متنوعة من التخريب العمدي للأشياء العامة والخاصة (مثل أعمدة الكهرباء ومركبات المنفعة العامة) التي يعاقب عليها القانون بأحكام تصل إلى السجن المؤبد في الحالات الأشد؛ بينما تقتصر بعض الجرائم على الحبس والغرامة وفق فصول بعينها(…)”، مؤكدا أنه “رغم أن العقوبات المطروحة تعد معقولة مقارنة بحجم الأفعال، فإن التقدير يشير إلى احتمال فرض أقصى العقوبة على الموقوفين كإجراء ردعي”.
المثير للانتباه، وفق المحامي سالف الذكر، هو “التعامل مع القاصرين المتورطين في هذه الأفعال؛ فالقانون المغربي يمنحهم حماية خاصة لا تسمح بمعاملتهم كالبالغين، إذ يُحتجز القاصر تحت مراقبة خاصة في أماكن مخصصة له. ورغم ذلك، فإن بعض الأفعال الجسيمة –مثل الجنايات الكبرى، حرق الممتلكات، محاولة الاستيلاء على الذخيرة، أو الجرائم التي قد ينتج عنها القتل— تخضع لعقوبات تصل إلى 10-20 سنة سجنا، وقد تمتد إلى السجن المؤبد في حالات معينة؛ وهو ما يعكس جدّية المعالجة الزجرية لهذه السلوكيات.
ولفت المحامي شعيب لمسهل إلى أن “المظاهرات السلمية تبقى مسموحة قانونيا من حيث المبدأ، شريطة أن تكون مؤطَّرة وأن لا تتحول إلى أعمال تخريبية، بما يحفظ التوازن بين ممارسة الحريات العامة وفرض الردع القانوني على أعمال العنف والتدمير”.
وباستحضار ظهير 1985، في الباب السادس المتعلق بالمقتضيات الزجرية، على العقوبات الخاصة بالأفعال المرتبطة بـ”حمل سلاح” أو التحريض على مظاهرات مسلحة تهدد الأمن العام أو الوحدة الترابية واستقرار الدولة؛ فإنه “بموجب الفصل 30 من الظهير، تتراوح العقوبة بين سنة وخمس سنوات حبسا، مع غرامة مالية تتراوح بين 20 و100 ألف درهم، وتشمل كلا من الفاعل الأصلي والداعمين أو المساهمين في هذه المجموعات، حتى لو لم يشاركوا بشكل مباشر في التخريب، باعتبار أن تواجدهم ضمن هذه الجماعات يعد مساهمة غير مباشرة في ارتكاب الجرائم”.
وتبرز خطورة هذه الأحكام بشكل خاص بالنسبة للقاصرين أو الأشخاص غير القاصدين للتخريب، حسب المصرح الذي شرح أن “مجرد الانخراط في هذه المجموعات يعرّضهم لنفس العقوبات التي يخضع لها الفاعل الأصلي. ويؤكد القانون المغربي مبدأ “تفريد العقاب”، بحيث يُطبق على كل شخص العقوبة الأقصى للفعل الذي يُتابع بسببه، دون جمع عقوبات متعددة على جرائم مختلفة، ما يحد من تضاعف العقوبات ويحافظ على العدالة القانونية في معالجة هذه القضايا”.
التكييف والملاءمة القانونيان
من جهته، قال عبد العزيز خليل، محام باحث في الشؤون القانونية، إن “المتابعات القضائية المرتبطة بأحداث الشغب والتجمهر تثير إشكالية دقيقة في التكييف القانوني، بين ما يدخل في إطار ممارسة الحريات العامة وبين ما يتجاوزها إلى أفعال مجرّمة وجسيمة متضمنة في مجموعة القانون الجنائي”.
وأضاف خليل، في تصريح لهسبريس، شارحا: “التجمهر السلمي، وإن لم يكن مرخصا، يبقى خاضعا لمقتضيات ظهير 1958 بشأن الحريات العامة، الذي يفرض مساطر دقيقة للحصول على الترخيص ويُقرّ عقوبات وغرامات مالية في حالة الإخلال بها”؛ غير أن الأمر، وفق المحامي سالف الذكر، “يختلف جذريا حين يتحول التجمهر إلى تجمهر مسلح أو يتخللُه حمل للسلاح، وهو ما نصت عليه الفصول 15 وما بعدها من الظهير ذاته، إضافة إلى المواد 20 وما يليها، حيث تصبح العقوبات أشد وقد تشمل عقوبات سالبة للحرية”.
وزاد الباحث القانوني ذاته بقوله: “أما في الحالات التي تتجاوز مجرد التجمهر غير المرخص، مثل الاعتداء على مراكز الأمن أو الدرك (كما جرى في حالة القليعة)، فإنها تخرج عن نطاق القوانين المنظمة للحريات العامة لتدخل ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة والنظام العام؛ ما قد يعرّض مرتكبيها لعقوبات قاسية وفق النصوص الخاصة الواردة في القانون الجنائي”، ضاربا المثال بأن “الفصول 263 و595 من القانون الجنائي تحدد عقوبات لا تتجاوز في الغالب سنتين حبسا كحد أقصى، غير أن التكييف قد يتغير إذا اعتبرت الأفعال أكثر خطورة”.
وفي هذا السياق، “يبقى دور النيابة العامة أساسيا في تكييف الأفعال وملاءمتها مع النصوص القانونية، فهي لا تصدر العقوبات وإنما تحدد الفصول التي تراها منطبقة على الأفعال محل المتابعة، ثم تُحيل الملفات على القضاء”، حسب عبد العزيز خليل الذي شدد على أن “المحكمة هي صاحبة السلطة التقديرية الكاملة في الحكم وتحديد العقوبة المناسبة؛ وهو ما يرسخ مبدأ الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم”.
0 تعليق