احتجاجات في تاونات تتسم بالسلمية - بلس 48

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على خلاف مدن أخرى عرفت بعض أعمال العنف والتخريب، تميزت مدينة تاونات، خلال الأيام الماضية، باحتجاجات سلمية متفرقة، رفع فيها المواطنون شعارات تطالب بتحسين ظروف العيش وفك العزلة عن المنطقة.

وتركزت المطالب، وفق معطيات اطلعت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية، حول توفير بنية صحية ملائمة، خصوصا بإعادة تأهيل المستشفى الإقليمي وتجهيزه بالأطر والمعدات، إلى جانب تحسين وضعية التعليم والبنية التحتية في عدد من الجماعات القروية.

كما طالبت الاحتجاجات بتسريع مشاريع الماء الصالح للشرب التي تعرف تأخرا أو أعطابا متكررة، إلى جانب دعوات برحيل عامل الإقليم، تعبيرا عن رفض السكان لما اعتبروه “تماطلا” في الاستجابة لانتظاراتهم التنموية.

ورغم سلمية الحركات الاحتجاجية، أقدمت السلطات المحلية على منع بعض الوقفات، خاصة في بوعروس وتيسة، مرجعة ذلك إلى رفع شعارات تمس بثوابت الدولة، حسب ما استقته الجريدة من مصادر محلية.

وشهدت الاحتجاجات في إقليم تاونات تركزا أساسيا في جماعات بوعروس وتيسة وغفساي ومركز الإقليم، حيث خرج العشرات من المواطنين، غالبيتهم من الشباب، للتعبير عن تذمرهم من أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية.

وفي بوعروس، حاول المحتجون تنظيم مسيرة صوب مقر القيادة، إلا أن السلطات تدخلت بسرعة لتفريقها، دون أن تسجل مواجهات عنيفة.

وفي جماعة تيسة، سُجّل إنزال أمني مكثف حال دون تنظيم وقفة احتجاجية وسط الساحة الرئيسية، فيما وثقت بعض المصادر المحلية تدخلات جزئية استُخدمت فيها مكبرات الصوت لدعوة المحتجين إلى الانسحاب، دون اللجوء إلى العنف.

أما في مركز تاونات، فقد خيّم الهدوء على الاحتجاجات التي جرت بالقرب من مقر العمالة، حيث اكتفت السلطات بمراقبة الوضع عن كثب، مع حضور أمني بارز. ولم يُسجل استعمال مفرط للقوة؛ ما يعكس حرص السلطات على ضبط النفس وتفادي التصعيد، خصوصا في ظل الطابع السلمي الذي طبع هذه التحركات الشعبية.

وقالت مصادر خاصة لجريدة هسبريس الإلكترونية إن السلطات المحلية بمدينة تاونات رأت في بعض الشعارات واللافتات التي رُفعت خلال الاحتجاجات الأخيرة خروجا واضحا عن الإطار السلمي، ومساسا بما اعتبرته “ثوابت الوطن”.

وحسب المعطيات التي توصلت بها الجريدة، فقد تم تسجيل عبارات تنطوي على دعوات مباشرة إلى “إسقاط العمالة”، وأخرى حملت مضامين اعتبرتها السلطات تحريضية وتمس بمؤسسات الدولة ورموزها، إلى جانب شعارات تحمل نفَسا تصعيديا لا ينسجم، في تقدير السلطات، مع المطالب الاجتماعية التي انطلقت منها الاحتجاجات.

هذه المؤشرات دفعت الأجهزة الأمنية إلى التدخل لتفادي ما وصفته بـ”الانزلاق عن الطابع السلمي”، والتصدي لما تعتبره محاولات لتسييس الحراك المحلي وتوجيهه نحو أجندات غير معلنة.

وفي السياق ذاته، قال سعيد البوزيدي، الفاعل الحقوقي بمدينة تيسة، إن الشعارات التي رفعها بعض المحتجين، وعلى رأسها المطالبة برحيل عامل إقليم تاونات، لا ينبغي تأويلها كمساس بثوابت الدولة؛ بل تُقرأ في إطارها الاجتماعي والسياسي كأحد أشكال التعبير عن الغضب الشعبي تجاه أوضاع تنموية متأزمة.

وأوضح البوزيدي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مثل هذه المطالب تُعبّر عن أزمة ثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة على المستوى المحلي، مشددا على أن تحميل المسؤولية لرموز السلطة الترابية هو جزء من الخطاب الاحتجاجي العادي، ما دام لم يتجاوز الإطار السلمي أو يتضمن دعوات انفصال أو تهديدا للوحدة الوطنية.

وأضاف الفاعل الحقوقي بمدينة تيسة أن الدستور المغربي يضمن الحق في التعبير والاحتجاج، معتبرا أن محاولة تأويل كل شعار احتجاجي على أنه تهديد لأمن الدولة يُشكل تضييقا غير مبرر على الحريات، داعيا إلى التعامل مع هذه التعبيرات بقدر من الإنصات والتفاعل المؤسساتي الجاد بدل المقاربة الأمنية.

وتابع المتحدث في التصريح ذاته أن ساكنة تاونات، على غرار عدد من المدن المغربية، عبّرت عن مطالبها الاجتماعية والاقتصادية في إطار سلمي، ولم تلجأ إلى أي شكل من أشكال العنف أو التخريب، مؤكدا أن الاحتجاجات التي شهدتها المدينة طيلة الأيام الماضية كانت منظمة، ورافقتها شعارات واضحة تُطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية وفرص الشغل، دون أن يُسجَّل أي خرق يُذكر.

وأكّد الفاعل الحقوقي عينه أن من بين المؤشرات الدالة على سلمية هذه الاحتجاجات عدم تسجيل أي تدخل أمني عنيف، ولا أي اعتقالات في صفوف المتظاهرين، إضافة إلى التزام المحتجين بمسارات محددة ومسؤولة في تحركاتهم؛ مما يعكس وعيا جماعيا لدى الساكنة بضرورة الحفاظ على النظام العام مع إيصال صوتهم بشكل حضاري.

وختم البوزيدي تصريحه بالدعوة إلى ضرورة فتح حوار مسؤول مع الشباب المحتج، بدل الاكتفاء بمراقبتهم أو محاولة تأويل شعاراتهم خارج سياقها، مشددا على أن الاستجابة للمطالب التنموية تُعدّ المدخل الحقيقي لضمان الاستقرار والثقة.

واتصلت جريدة هسبريس الإلكترونية بعدد من المصادر الرسمية للاستفسار حول تعاطي السلطات مع الاحتجاجات التي شهدتها مدينة تاونات خلال الأيام الأخيرة، حيث أكّد أحد المصادر، في تصريح خاص، أن ما وقع “لا يمكن اعتباره مجرد تعبير سلمي عن مطالب اجتماعية”، مبرزا أن بعض الشعارات التي رفعت والتجمعات غير المرخص لها “انزلقت في اتجاه المس بثوابت الوطن ورموزه”.

وأوضح المصدر ذاته أن السلطات المحلية تعاملت بكثير من ضبط النفس والتريث، وأن تدخلاتها كانت محدودة وفي نطاق القانون؛ لكنه شدد على أن “الدعوة إلى إسقاط العمالة أو مهاجمة المؤسسات المنتخبة لا تدخل ضمن حرية التعبير، بل تضع المحتجين خارج الأطر الدستورية التي تضمن حق التظاهر السلمي”.

وخلص المتحدث إلى أن “الدولة حريصة على الاستماع للمطالب المشروعة للمواطنين، لكنها في المقابل لن تتساهل مع أي انزلاق قد يمس بالأمن العام أو بوحدة المؤسسات”.

ولا يمكن فصل الاحتجاجات التي عرفتها منطقة بني وليد، التابعة لإقليم تاونات، تماما عن السياق المحلي المتراكم؛ فقد شهدت المنطقة، طيلة فصل الصيف، احتجاجات متفرقة حول قضايا اجتماعية ومعيشية، خاصة ما يتعلق بالبنية التحتية والخدمات الأساسية. كما قاطع سكان بني وليد، خلال الصيف الماضي، السوق الأسبوعي؛ وهو ما دفع عامل الإقليم، آنذاك، إلى الدخول في حوارات مع فعاليات مدنية وحقوقية محلية.

تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من تزامن الاحتجاجات الحالية مع ما يُعرف إعلاميا بـ”حركة جيل Z”، فإن طبيعة المطالب وظروف التعبئة في المنطقة توحي بأنها امتداد لتحركات محلية سابقة؛ ما يجعل ربطها حصريا بهذا الحراك الرقمي غير دقيق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق