خفضت الحكومة السويسرية توقعاتها لنمو الاقتصاد الوطني لعام 2026، على خلفية التداعيات المتوقعة لفرض الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على عدد من السلع الأوروبية، والتي من شأنها التأثير المباشر على الاقتصاد السويسري القائم بشكل أساسي على قطاع التصدير.
ووفقًا لما نشرته هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SRF)، فإن التقديرات الجديدة تشير إلى أن معدل النمو المتوقع للناتج المحلي الإجمالي سيتراجع إلى 1.2% في عام 2026، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 1.8%، وذلك نتيجة لتباطؤ الطلب الخارجي وتراجع حركة التجارة العالمية، في ظل تصاعد النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة وعدد من الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين.
وأوضحت وزارة الاقتصاد السويسرية في بيانها أن تأثير هذه الرسوم الجمركية سيمتد ليشمل الصناعات الهندسية والميكانيكية والكهربائية، فضلًا عن قطاع صناعة الساعات الفاخرة الذي يُعد من أبرز مصادر الدخل القومي، حيث تعتمد سويسرا بشكل كبير على الأسواق الأمريكية والأوروبية لتصريف صادراتها.
وأضاف البيان أن القطاع الصناعي السويسري يواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار الطاقة، إلى جانب التحديات المرتبطة بقوة الفرنك السويسري أمام الدولار واليورو، وهو ما يقلل من القدرة التنافسية للسلع السويسرية في الأسواق العالمية، مشيرًا إلى أن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تراجع مؤشرات الثقة في قطاع الأعمال خلال الربع الثالث من عام 2025.
وفي السياق ذاته، أشار المكتب الفيدرالي للإحصاء إلى أن الصادرات السويسرية سجلت تراجعًا بنسبة 2.3% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بينما ارتفعت الواردات بنسبة 1.1%، ما أدى إلى تقليص فائض الميزان التجاري، الذي يُعد أحد أبرز الدعائم الأساسية للاقتصاد السويسري.
وأكد الخبراء الاقتصاديون أن استمرار التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يدفع العديد من الشركات السويسرية إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد الخاصة بها، أو نقل بعض أنشطتها الإنتاجية إلى أسواق أقل تأثرًا بالنزاعات الجمركية. كما من المتوقع أن تؤثر هذه التطورات على معدلات التوظيف في بعض القطاعات التصديرية، لا سيما تلك المعتمدة على الطلب الخارجي.
وفي محاولة لتقليل الأثر السلبي لهذه التحديات، أعلنت الحكومة السويسرية أنها تعمل على تعزيز الشراكات التجارية مع دول آسيا وأمريكا اللاتينية، وتنويع الأسواق المستوردة للمنتجات السويسرية، إلى جانب تحفيز الابتكار الصناعي وزيادة الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النظيفة، بهدف دعم النمو طويل الأجل.
وشددت الحكومة على أن الاقتصاد السويسري لا يزال يتمتع بأسس قوية وبنية مالية مستقرة، بفضل انخفاض معدلات البطالة التي استقرت عند حدود 2.1%، وارتفاع معدلات الادخار المحلي، إلا أنها حذّرت من أن استمرار التقلبات العالمية قد يحدّ من وتيرة التعافي الاقتصادي خلال السنوات المقبلة.
ويأتي هذا التراجع في التوقعات في وقتٍ تشهد فيه أوروبا حالة من القلق الاقتصادي المتزايد، نتيجة السياسات التجارية الأمريكية الجديدة، التي تفرض رسوماً مرتفعة على واردات المعادن والمعدات والمنتجات المصنعة، ما يهدد بموجة جديدة من الحمائية التجارية على المستوى العالمي.
0 تعليق