«من التهديد إلى التفويض».. كيف يوظف ترامب غزة كورقة سباق داخل اورقة البيت الأبيض؟ - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يعكس التوازن المتأرجح في تصريحات إدارة ترامب تجاه غزة استراتيجية معقّدة بين القوة والتفويض، بين الضغط على حماس ومنحها شرعية مؤقتة لتسيير شؤون القطاع. في الأروقة المظلمة، تُحاك صفقة ذات أبعاد انتخابية وإقليمية، فيما تبقى غزة في مهبّ القرار وميدان التحقق من الضمانات ومستوى الفعل على الأرض.

تناقضات التهديد والتفويض

في خطاب رسمي نابع من البيت الأبيض، توعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنزع سلاح حماس بالقوة إذا لزم الأمر ملوحا بـ "فتح أبواب الجحيم" في وجه الحركة.

794.png
غزة 

في الوقت نفسه، وبينما كان في طائرته الرئاسية، أعلن أن واشنطن منحت تفويضًا مؤقتًا لحماس لضبط الأمن في غزة، مبررًا ذلك بوجوب استعادة النظام واستقرار الأوضاع.

هذا التداخل بين لغة المواجهة ولغة الصلاحيات الأمنية يتيح لإدارة ترامب المراوغة بين رسائل موجهة لإسرائيل والجمهور الأميركي، وبين ضرورة تجنّب فراغ أمني كبير في قطاع يعاني من انهيار مؤسساتي.

تسويق "غزة الجديدة" والغموض التشغيلي

رُوّج لمفهوم "غزة الجديدة" على أنه بداية لمرحلة إعادة بناء واستقرار، لكن ما تزال التفاصيل العملية في الظل:

من سيقود نزع السلاح؟ هل ستكون قوة متعددة الجنسيات؟ أم سينفذها طرف ثالث (مصر، أو قوة عربية/فلسطينية)؟

ما هي طبيعة "قوة الاستقرار" المقترحة؟ وما العلاقة مع الأمم المتحدة أو بعثة دولية؟

كيف ستُدار أجهزة الأمن والداخلية في القطاع؟ من سيشرف على أجهزة الاستخبارات والمراقبة الحدودية؟

ما الصلة بين التفويض المؤقت المعطى لحماس وبين أي سلطة انتقالية أو توافقية يمكن أن تظهر لاحقًا؟

الغموض يكتنف كل هذه الأسئلة، وسط خشية من أن تكون هذه المقترحات أدوات لتدوير الإدارة الأميركية للصراع بدلًا من إنهائه.

مصالح أميركية أم صفقة انتخابية؟

يمكن تفكيك الدلالة المحتملة لهذه المناورة على عدة مستويات سوف يعرضها عليكم تقرير لتحيا مصر

الطابع الانتخابي الداخلي: في حال منح ترامب دورًا بارزًا في استعادة الاستقرار في غزة، قد يستخدم هذا كنقطة في حملته للاحتفاء بإنجازات خارجية قوية.

إدارة الصراع لا إنهائه: التصريحات والاتفاقات المؤقتة قد تكون جزءًا من سياسة أميركية تقضي بـ “إبقاء المواجهة تحت السيطرة” بدلاً من التورط في تسوية شاملة

إعادة هندسة المنطقة؟ قد تكون هناك نية لإشراك دول عربية أو دول اقليمية بصيغة “اتفاق إقليمي جديد” يرمي إلى إعادة رسم سقوف النفوذ في غزة والضفة.

توازن القوى بين إسرائيل وحماس: إعطاء الكلمة الأخيرة لمعركة النفوذ بين الجانبين، مع محاولة إسرائيل لضمان أن أي اتفاق لا يعيد حماس إلى موقع قوة مهدّد. 

غزة أمام اختبار السياسة والهامش

القطاع الذي شهد تدميرًا واسعًا وتفشياً لأزمة إنسانية يُطرح أمامه تحدّ مُركّب:

كيف يمكن لحماس أن تتحرك داخل “الهامش الضيق” الممنوح لها من دون أن تُتهم بالخيانة أو التفريط؟

كيف تحافظ على نفوذ شعبي ومؤسّسي في ظل حضور أمني خارجي أو رقابة دولية؟

ما إذا كان التفويض المؤقت يشكّل بداية لمرحلة توافقية فلسطينية أكثر اتساعًا، أو أنه غطاء لصراع طويل بلا مخرج واضح؟

المساعدات والشحنات: ضمانات التنفيذ

من أبرز الحساسيات في هذا المشهد هو كيفية ضمان تنفيذ تسهيلات إدخال المساعدات إلى غزة:

ومن جانبها نجد إسرائيل تسيطر على المعابر الخارجية، ولذلك فإن موافقتها ضرورية لزيادة أعداد الشاحنات.

أي “اتفاق شرم الشيخ” يُفترض أن يضع آليات مراقبة دولية، أو إشرافًا عربيًا (مثل مصر) على المعابر والمؤسسات.

السؤال المركزي: من يضمن أن الاتفاق يُترجَم على الأرض؟ من يرقب أشد التزام إسرائيل والممولين الدوليين بتنفيذ التعهدات؟

وإذا فشلت الأطراف في الالتزام، فما هي آلية الردّ؟ إنهاء التفويض؟ أو استئناف المواجهة؟

ماذا قال عدنان أبو حسنة (أونروا) في الأيام الثلاثة الأخيرة

في أحدث تصريحاته، وضع المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عدنان أبو حسنة النقاط على الحروف بشأن واقع المساعدات والحصار:

قال إن ما يدخل قطاع غزة الآن  من مساعدات لا يتجاوز 9٪ فقط من الاحتياجات الفعلية، مما يعني أن الكارثة الإنسانية آخذة في التفاقم.

وأشار إلى أن الأونروا مستعدة للعودة إلى العمل بكامل طاقتها في القطاع بمجرد وقف الحرب، لكن هذا يتطلب شروطًا وضمانات لتنفيذ التعهدات الدولية. 
وأكد أن إنكار إسرائيل لوجود مجاعة في غزة يُعد أبشع تعبير عن فقدان الإنسانية، وأن إدخال المساعدات الفعلية مرهون بإرادة سياسية دولية حقيقية، لا مجرَّد خطاب.

تصريحات أبو حسنة تُعد موازين ضغط مهمة؛ فهي تضع الأطراف الدولية والإقليمية أمام التزام عملي، لا شعارات، لما لم تعد غزة تتحمّله.

السيناريوهات المحتملة للمستقبل

سلام هش مؤقت بتفويض محدود
يتم تثبيت وقف إطلاق النار مع احتفاظ حماس بسلطة محلية، مع رقابة دولية وإشراف عربي، لكن السلاح الهجومي يُنزع. قد يستمر الوضع كحصيلة إدارة أزمات، لا تسوية نهائية.

اتفاق إقليمي أوسع

بمشاركة مصر، وربما الأردن، وربما أطراف عربية أخرى، يُرسَّم دور كل طرف في غزة، من المفترض أن يمنح الاتفاق بعدًا استراتيجيا أكبر. لكنه يتطلّب تنازلات كبيرة من جميع الأطراف.

فشل التطبيق وعودة التصعيد
إذا لم تُنفّذ البنود—مثل إدخال المساعدات، أو نزع السلاح، أو الالتزام الإسرائيلي—فقد ينتقل المشهد إلى تصعيد عسكري أو انقطاع كامل عن مفاوضات السلام.


استمرار التفويض كأداة ضغط انتخابي
قد يبقَى التفويض في غزة كآلية مؤقتة استُخدمت لغايات دعائية داخلية أو ضغط إقليمي، دون أن يُفضي إلى تغيير حقيقي في الواقع الفلسطيني أو معمّم.

خلاصة المشهد  ضوء المراقبة والتحدي

إن ما نراه اليوم ليس مجرد تناقضات كلامية، بل لعبة استراتيجية تتداخل فيها المصالح الأميركية والإسرائيلية مع الموازين الداخلية لحماس والجماهير الفلسطينية. المنحني الذي ستسلكه غزة يعتمد على قدرة الفصائل، والمجتمع الدولي، والدول الإقليمية على تحوّيل هذا التفويض المؤقت إلى أرضية لسلام حقيقي — أو العكس، إلى فخّ لا منفذ منه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق