شهدت أسواق النفط موجة من التحليلات، ركزت على زيادة صادرات دول أوبك+ وارتفاع سقف الإنتاج، في ظل تراجع ملحوظ في الطلب على النفط؛ إذ ارتبطت تلك القراءات بتوقعات انخفاض أسعار النفط خلال الربع الأخير من العام الجاري.
وفي هذا السياق، أشار مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي إلى أن هناك خلطًا كبيرًا بين رفع سقف الإنتاج وزيادة الإمدادات الفعلية، وهو ما يُحدث سوء فهم متعمَّد في تغطيات بعض المحللين والإعلام الغربي.
وأوضح أن قرارات الإنتاج الأخيرة التي اتخذتها دول مجموعة الـ8 ركزت على سقف الحصص فقط، أما الزيادات الحقيقية في السوق فأقل بكثير من المعلنة رسميًا، وهو ما يفسّر تباين الأرقام في التقارير المنشورة.
وأكد أن تجاهل الفروق بين سقف الإنتاج والإمدادات الفعلية من جانب دول تحالف أوبك+ يؤدي إلى ترويج انطباع خاطئ بوجود فائض كبير في السوق، في حين أن الواقع يعكس حالة توازن حذر بين العرض والطلب.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيّات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي على مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، تحت عنوان: "ما صحة توقعات فائض كبير في أسواق النفط وانخفاض أسعاره؟".
رفع سقف الإنتاج لا يعني زيادة الإمدادات
قال أنس الحجي إن قرارات أوبك+ ومجموعة الـ8 تركز دائمًا على تحديد الحصص وسقف الإنتاج، وليس على الكميات التي تصل فعليًا إلى الأسواق، فإعلان رفع السقف بمقدار 137 ألف برميل يوميًا لا يعني أن هذه الكمية ستُضخ كاملة.
وأشار إلى أن الإنتاج الفعلي قد يتراوح بين 60 و80 ألف برميل يوميًا فقط، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الكميات لا تذهب جميعها إلى الأسواق العالمية، وهو ما يجعل تقديرات بعض المحللين غير دقيقة إطلاقًا.
وبيّن أنس الحجي أن هذه الفروق يجهلها أو يتجاهلها من لديه أجندات مسبقة، فيحسبون الزيادة كاملة ضمن الإمدادات، رغم أن جزءًا منها يظل ضمن الاستهلاك المحلي أو يُخزن مؤقتًا.
وأوضح أن صادرات أوبك+ من النفط الخام ارتفعت بصورة ملحوظة في سبتمبر/أيلول الماضي نتيجة لرفع سقف الإنتاج، بالإضافة إلى انخفاض الطلب المحلي على الوقود بعد انتهاء موسم الصيف.
وأضاف: "نهاية فصل الصيف تزامنت مع بدء أعمال الصيانة في المصافي، وهي العامل الرئيس في الطلب على النفط الخام، ما تسبّب في انخفاض الاستهلاك الداخلي وزيادة الكميات القابلة للتصدير".
وأشار إلى أن تلك الزيادات مؤقتة بطبيعتها، ولا يمكن وصفها مؤشرًا على فائض مستدام في الإمدادات النفطية العالمية، في حين أن تجاهل هذه الحقائق الفنية ضلل الأسواق، وخلق انطباعًا زائفًا بأن قرارات أوبك+ كانت السبب المباشر في هبوط أسعار النفط.
حقائق مُغفلة في تفسير زيادة الصادرات
ألمح أنس الحجي إلى حقائق مُغفلة في تفسير زيادة الصادرات، قائلًا إن من يتحدثون عن ارتفاع المخزونات وتراجع الأسعار يتجاهلون الطبيعة الموسمية لتغيرات السوق، وهذه الأنماط معروفة منذ أشهر الربيع ولا تشكّل مفاجأة لأي متخصص.
وبيّن أن الجميع يدركون أن انتهاء فصل الصيف يؤدي إلى زيادة الصادرات، بسبب تحول كميات النفط من الاستهلاك المحلي إلى الأسواق الخارجية، بالتزامن مع زيادة سقف الإنتاج.
وأضاف خبير اقتصادات الطاقة أن رفع السقف بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا بين أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول لا يعني أن هذه الكمية دخلت السوق؛ لأن الزيادات الفعلية كانت أقل بكثير من الأرقام المعلنة رسميًا.
وأكّد أن صادرات دول أوبك+ ما زالت حتى الآن أقل من مستويات عامَي 2017 و2018، رغم غياب أي إغلاقات اقتصادية أو ركود، ورغم ارتفاع الطلب العالمي بنحو 6 ملايين برميل يوميًا منذ ذلك الحين.
وأشار إلى أن الإعلام ركز فقط على زيادة سبتمبر/أيلول، متجاهلًا أن أغلب الارتفاع المحسوب كان نظريًا، في حين الزيادة الحقيقية في الإمدادات لم تتجاوز 1.4 مليون برميل يوميًا منذ ديسمبر/كانون الأول 2024.
ولفت إلى أن المقارنة بين متوسط الأشهر الـ9 الأولى من عامَي 2024 و2025 تُظهر زيادة محدودة لا تتعدى 790 ألف برميل يوميًا فقط، أي أقل بكثير مما جرى الترويج له إعلاميًا.
وأوضح أن دخول البرازيل إلى أوبك+ أسهم في تضخيم الأرقام؛ لأنها لم تخضع لتخفيضات سابقة، وبالتالي زاد إنتاجها دون أن يمثّل ذلك ارتفاعًا في حصص المجموعة نفسها.
عوامل موسمية وتجاهل إعلامي مقصود
قال أنس الحجي إن الارتفاع الكبير في صادرات النفط الخام من أوبك+ في سبتمبر/أيلول، بحدود 1.4 مليون برميل يوميًا، قابله انخفاض في صادرات المنتجات النفطية بنحو 470 ألف برميل يوميًا، وهو ما تجاهله الإعلام عمدًا.
وأشار إلى أن السبب الرئيس لهذا التراجع يعود إلى توقف عدد من المصافي النفطية في الدول المنتجة وغيرها لإجراء الصيانة الدورية، ما قلّل إنتاج المشتقات النفطية ورفع حجم صادرات الخام مؤقتًا.
وأوضح أنس الحجي أن هذا الوضع استثنائي، وسيتراجع تلقائيًا مع عودة المصافي النفطية إلى العمل خلال الأشهر المقبلة، وهو ما يعني أن زيادات سبتمبر/أيلول 2025 لن تستمر طويلًا.
وبيّن أن تجاهل هذا العامل الفني أدى إلى تحليل مبتور يصور زيادة الصادرات على أنها دائمة، في حين الحقيقة أنها نتيجة ظرفية مرتبطة بالصيانة الموسمية.
وأضاف أن بعض وسائل الإعلام تجاهلت أيضًا تراجع صادرات البرازيل في سبتمبر/أيلول بنحو نصف مليون برميل يوميًا، وهو رقم يفوق الزيادة التي أعلنتها أوبك+ نفسها.
وأكّد أن هذا التناقض في التغطية الإعلامية يكشف عن وجود أجندة تهدف إلى التأثير في أسعار النفط، من خلال التركيز على بيانات جزئية دون النظر إلى الصورة الكاملة.
واختتم الحجي بتأكيد أن تحالف أوبك+ رفع سقف الإنتاج فقط دون زيادة حقيقية في الإمدادات، وأن العوامل الموسمية المؤقتة هي السبب الرئيس في التغيرات التي شهدتها السوق خلال الأسابيع الماضية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..
0 تعليق