يُعد برنامج الفرصة الثانية مبادرة وطنية تربوية أطلقتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة لإعادة إدماج الشباب المنقطعين عن الدراسة في مسار جديد للتعلم والتأهيل، عبر مراكز مدارس الفرصة الثانية – الجيل الجديد. ويجمع البرنامج بين التعليم الأساسي والتكوين المهني والدعم النفسي والأنشطة التربوية، وينفذ بشراكة مع جمعيات المجتمع المدني بهدف الحد من الهدر المدرسي وتمكين المستفيدين من بناء مشروعهم الشخصي والمهني.
ويكتسي هذا البرنامج أهمية بالغة ضمن السياسات التعليمية الهادفة إلى تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص، إذ أصبح محورَ نقاش وتقييم من لدن الفاعلين التربويين والمؤسسات الشريكة؛ بالنظر إلى ما راكمه من تجارب ميدانية ونتائج مشجعة في إعادة الإدماج، رغم الإكراهات المتعددة التي تواجه العاملين في المراكز؛ ما يستدعي تقييم حصيلته واستشراف آفاق تطويره.
رؤية مندمجة
قال جبير مجاهد، أستاذ وباحث في الشأن التربوي، إن “برنامج الفرصة الثانية يشكل مبادرة اجتماعية وتربوية رائدة تروم تحقيق مجموعة من الأهداف، وفي مقدمتها محاربة الهدر المدرسي الذي يعد من أبرز التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية في المغرب”.
وأضاف مجاهد، في تصريح لهسبريس، أن “البرنامج يسعى إلى إعطاء فرصة جديدة للتلاميذ الذين واجهوا ظروفا صعبة لمواصلة دراستهم أو الالتحاق بأقسام التكوين المهني أو التأهيلي”.
وأوضح الأستاذ والباحث في الشأن التربوي أن “هذه المقاربة التربوية تتيح للشباب المنقطعين عن الدراسة إمكانات حقيقية لإعادة الاندماج في مسار التعليم والتأهيل، بما يسهم في توسيع آفاقهم الشخصية والمهنية وتمكينهم من اكتساب مهارات جديدة تساعدهم على ولوج سوق الشغل بكرامة واستقلالية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “فلسفة البرنامج تقوم على الدمج بين التعليم الأساسي والتكوين العملي والدعم النفسي والاجتماعي، في إطار رؤية مندمجة تعيد الاعتبار للمتعلمين الذين غادروا الفصول الدراسية مبكرا، وتمنحهم فرصة ثانية للحياة المدرسية والإنتاجية”؛ غير أنه نبه، في ختام تصريحه، إلى أن “نجاح البرنامج يظل رهينا بتعزيز الوعي المجتمعي بأهميته، إذ إن بعض الأسر ما زالت تنظر إليه كحل ثانوي أو كفرصة للفاشلين، وهو ما يؤثر في نظرة التلميذ إلى نفسه ويحد من قدرته على التفاعل الإيجابي مع التجربة”.
صعوبات وتحديات
عبد الصمد الحاتمي، رئيس “مؤسسة أجيال مغاربة العالم” المسيرة لمركز المعري لمدرسة الفرصة الثانية بخريبكة، قال إن “الهدر المدرسي يشكل كلفة كبيرة بالنسبة للدولة والعائلات. لذلك، بُذلت مجهودات كبيرة للتصدي للظاهرة والعمل على تعميم التمدرس؛ بدءا ميثاق التربية والتكوين، مرورا بالبرنامج الاستعجالي، ووصولا إلى القانون الإطار17/51، ثم النموذج التنموي الجديد في البرنامج الحكومي، وأخيرا خارطة الطريق 2022-2026”.
وأوضح الحاتمي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الصعوبات التي تعترض برنامج الفرصة الثانية متعددة وتختلف من مركز إلى آخر؛ ومن بينها صعوبة التأقلم لدى بعض التلاميذ الذين يجدون صعوبة في التكيف مع بيئة المركز بعد فترة طويلة من الغياب عن الدراسة، إضافة إلى غياب الدعم العائلي لدى بعض الحالات، حيث لا تحظى مراكز الفرصة الثانية بالدعم الكافي من الأسر، مما يؤثر على التزام التلاميذ ونجاحهم”.
ومن بين الصعوبات التي ذكر رئيس “مؤسسة أجيال مغاربة العالم” “احتياجات تعليمية خاصة لدى بعض التلاميذ الذين يحتاجون إلى دعم تعليمي إضافي أو برامج مخصصة لتلبية احتياجاتهم الخاصة”، و”الصعوبات المادية لمجموعة من الأسر التي تواجه مشاكل مالية تحول دون دعم أبنائها بشكل كامل”، و”الضغوط النفسية التي يعاني منها عدد من التلاميذ نتيجة تجربتهم السابقة مع الانقطاع عن الدراسة، مما يؤثر على أدائهم الأكاديمي”.
وأكد الحاتمي أن “هذه التحديات تتطلب تعاونا وثيقا بين العاملين في المركز والأسر والمجتمع لضمان نجاح التلاميذ وتحقيق أهدافهم التعليمية”، مشددا على أن “مراكز الفرصة الثانية تبدأ فيها قصص نجاح جديدة لتلاميذ ظنوا أن قطار التعليم والتحصيل قد تجاوزهم إلى الأبد، إلا أنهم وجدوا عوضا عما فات جبرا لخواطرهم.. وها هم، اليوم، ينطلقون لحياة أفضل ولإدماج كامل إما في صفوف التربية النظامية أو في سوق العمل أو داخل حجرات التكوين المهني”.
0 تعليق