بيّن خبراء مغاربة في القانون الرقمي والأمن المعلوماتي أن توقيع المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية، و”هي مرجع دولي يهدف إلى تنظيم التعاون بين الدول في مكافحة الجرائم التي ترتكب عبر الأنظمة المعلوماتية والشبكات الرقمية”، سيسهم في تطوير المنظومة القانونية الوطنية المؤطرة لتتلاءم مع المقتضيات القانونية الدولية، ويقوي تصدي البلاد المبكر للهجمات الإلكترونية، فضلا عن تعزيز تبادلها الخبرات مع دول العالم في المجال.
وقد وقعّ وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أمس السبت بالعاصمة الفيتنامية “هانوي”، باسم المغرب، على أول “اتفاقية أممية لمكافحة الجريمة السيبرانية، في إطار مؤتمر دولي يعقد بهذا الخصوص بحضور أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة. وكانت الاتفاقية، اعتمدت من قبل الجمعية العامة للمنظمة في دجنبر الماضي، ومن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ بعد مرور 90 يوما من تصديق الدول عليها
المنظومة القانونية
يونس باعدي، دكتور متخصص في القانون الرقمي والعلوم الجنائية، قال إن “توقيع المغرب على المعاهدة الأممية لمكافحة الجريمة الإلكترونية (مثل القرصنة، الاحتيال المالي، الابتزاز الإلكتروني، استغلال الأطفال رقميا، غسل الأموال الإلكتروني، ونشر البرمجيات الخبيثة…) سيسهم في تطوير المنظومة القانونية الوطنية من خلال آليات عدة”.
وأوضح باعدي، في تصريح لهسبريس، أن المعاهدة ستدفع المغرب إلى مراجعة أو تحديث النصوص الواردة في مجموعة القانون الجنائي لتتلاءم مع التعريفات الدولية الدقيقة للجرائم المعلوماتية، مثل “الولوج غير المشروع”، “البيانات غير المصرح بها”، “الأدلة الرقمية”، وغيرها.
وأضاف أنها “ستكمل كذلك القانون 05.20 المتعلق بالأمن السيبراني، من خلال الانتقال من الحماية التقنية إلى الزجر الجنائي، أي من تأمين الأنظمة إلى معاقبة مرتكبي الاعتداءات الرقمية؛ إذ إن هذا القانون يركّز على الوقاية والأمن، بينما المعاهدة تعزز التجريم والملاحقة القضائية الدولية”.
وعلاقة بتحديث قانون المسطرة الجنائية، ذكر باعدي أن “المعاهدة ستفرض تطوير أدوات التحقيق الإلكتروني، وتحديد إجراءات واضحة لتبادل الأدلة الرقمية، ومصادرتها أو تتبعها عبر الحدود”، معتبرا أن ذلك “سيعزز فعالية القضاء المغربي في قضايا القرصنة والاحتيال الإلكتروني”.
الجاهزية التقنية
بشأن مكاسب المغرب من التوقيع على المعاهدة، على المستوى التقني، أشار المتخصص في القانون الرقمي والعلوم الجنائية إلى أن ذلك “سيسمح بتبادل المعلومات الاستخباراتية والتقنية حول البرمجيات الخبيثة والهجمات الجارية، مما يُمكّن المغرب من التعرف المبكر على الهجمات الإلكترونية والاستعداد لها”، إلى “جانب توحيد إجراءات التحقيق الرقمي من خلال اعتماد معايير تقنية موحدة لجمع الأدلة الرقمية (logs، IPs، meta-data) بما يضمن قبولها قضائيا في القضايا الوطنية والدولية”، فضلا عن “حماية البنى التحتية الحيوية؛ إذ إن المعاهدة تدعم التعاون لتأمين القطاعات الحساسة (الفلاحة الرقمية، الطاقة، النقل، الصحة، المالية…) عبر تبادل أفضل الممارسات والمعايير الدولية مثل ISO 27001 وNIST”.
ولم يغفل المتخصص ذاته كون “المعاهدة ستُمكّن السلطات المغربية (النيابة العامة، الشرطة القضائية، مديرية أمن نظم المعلومات) من الاستفادة من قنوات اتصال مباشرة وآمنة مع نظيراتها في الدول الموقعة لتبادل المعلومات والأدلة الإلكترونية في وقت وجيز”، معرجا على “دورها في تقوية التعاون في تسليم المجرمين وتجميد الأموال، استنادا إلى إطار قانوني دولي موحد”.
كما تحدّث باعدي عن أهمية المرجع القانوني الدولي الجديد في “تقوية الدول الأطراف تَبادُلَ الخبرات التقنية والتدريب في التحقيق الرقمي، والأدلة الجنائية المعلوماتية، والأمن السيبراني، فيما بينها”، معتبرا أن “هذا سيفيد المؤسسات المغربية مثل المديرية العامة لأمن نظم المعلومات والمديرية العامة للأمن الوطني في تطوير فرق متخصصة”.
تبادل الخبرات
يوافق باعدي الرأيَ الطيب الهزاز، الخبير في الأمن المعلومات، موضحا أن “المغرب من خلال التوقيع على المعاهدة الأممية المذكورة، سيصبح متوفرا على قاعدة بيانات تضم عددا كبيرا من المعلومات المتعلّقة بالإرهاب الإلكتروني أو الاختراقات أو أسماء المخترقين على الصعيد العالمي”.
وأضاف الهزاز، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الأمر سيساهم في تحليل المغرب لعدد من الاختراقات الدولية، خاصة أن البلاد التي تعد من بين أكثر دول العالم تعرضا للهجمات السيبرانية، مقبلة على استثمارات كبرى في البنية التحتية الإلكترونية، خصوصا مع الانتقال إلى شبكة الجيل الخامس”.
وأكد الخبير في الأمن المعلوماتي أن “هذه المعاهدة الأممية ستقوي وضع المغرب على صعيد التعاون الدولي في مكافحة الجريمة الإلكترونية؛ إذ يمكنه تقاسم المعطيات والمعلومات المتوفرة لديه وفي الآن ذاته الحصول على ما يحتاجه من معلومات لفائدة الفاعلين المؤسساتيين المعنيين من المديرية العامة لمراقبة التراب الوطنية والمديرية العامة لأمن نظم المعلومات”.
وشدد الهزاز على الدور الأساسي للمغرب في هذا الصدد، قائلا إن “البلاد تتوفّر على طاقات هائلة متمكنة في مجال الأمن السيبراني، وأساسا تحليل الاختراقات الدولية وتجميع المعلومات عن المخترقين على الصعيد العالمي”، وهو ما أهلها “للمساعدة في صياغة المعاهدة الأممية لمكافحة الجريمة الإلكترونية”.













0 تعليق