جديد قضية الصحراء المغربية يصدم البوليساريو بالواقعية القانونية والسياسية - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أثارت الرسالة المستعجلة التي وجهتها جبهة البوليساريو الانفصالية إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا، موجة من التفاعلات السياسية والحقوقية.

وقد تضمن مراسلة الجبهة إبداء البوليساريو الاعتراض الصريح على “المسودة الأمريكية” المتعلقة بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو)، ووصفت المشروع بأنه “ينحاز بشكل واضح للموقف المغربي”.

القانون الدولي

اعتبر رشيد لزرق، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات، أن الخطوة تمثل ردة فعل سياسية تعبّر عن ضيق الجبهة من التحول الملموس في الموقف الدولي تجاه مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي أصبحت تُوصَف في أدبيات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأنها “الأساس الجادّ والواقعي” لتسوية النزاع.

وأوضح لزرق، ضمن تصريح لهسبريس، أن الرسالة، من حيث الشكل، “تُعيد إنتاج خطاب تقليدي يستند إلى مفهومٍ جامد لتقرير المصير كمرادفٍ للانفصال، في وقت أصبح القانون الدولي الحديث يُقرّ بتعدد مستويات هذا المبدأ، ويُدرجه ضمن ما يُعرف بـ’التقرير الداخلي للمصير’، أي تمكين الجماعات المحلية من تدبير شؤونها ضمن سيادة الدولة الأم”.

وأضاف الخبير ذاته أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تُجسّد التطبيق العملي لهذا المفهوم، إذ تضمن تمثيلية السكان المحليين في مؤسسات تشريعية وتنفيذية، وتحافظ في الآن ذاته على وحدة الدولة الإقليمية، وهو ما ينسجم مع الاتجاهات التفسيرية المعاصرة للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007.

وبالتالي، يقول لزرق، فإن اعتراض البوليساريو على مشروع القرار الأمريكي هو في جوهره مقاومة لمسار قانوني وسياسي جديد أصبح المجتمع الدولي يتبناه كخيار وحيد قابل للتطبيق.

من زاوية القانون الدولي لتسوية النزاعات أوضح لزرق أن تهديد الجبهة بمقاطعة العملية السياسية يُبرز تناقضاً صريحاً مع الالتزامات المفروضة على الأطراف المتنازعة بموجب المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تلزمها بالتفاوض بحسن نية واعتماد الوسائل السلمية لحل النزاع، وأضاف أن القانون الدولي لا يعترف للمقاطعة بأثرٍ مُلزم تجاه المسار الأممي، بل يعدّها إخلالاً بمبدأ التعاون مع الأجهزة الدولية المختصة، ويُضعف الموقف التفاوضي للطرف المنسحب.

كما أشار المتحدث إلى أن التوجه الحالي في الممارسة الأممية يكرّس سيادة مجلس الأمن في توجيه مسار التسوية نحو الحلول الواقعية التي تضمن الاستقرار الإقليمي وتجنّب تفكك الدول.

وبناء على ذلك يرى الخبير نفسه أن رسالة البوليساريو محاولة متأخرة لإعادة النزاع إلى منطق “تصفية الاستعمار”، بينما الواقع القانوني والسياسي الدولي بات يُدرجه ضمن خانة النزاعات الإقليمية التي تُحلّ عبر ترتيبات تعاقدية داخل إطار الدولة الواحدة، ما يجعل مبادرة الحكم الذاتي المغربية النموذج الأكثر اتساقاً مع القانون الدولي الراهن.

مقاربة جديدة

أكد الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيو-إستراتيجية والأمنية، أن الرسالة الأخيرة للبوليساريو تأتي في وقتٍ يعرف ملف الصحراء المغربية تحولات إيجابية متسارعة، تُبرز ملامح مقاربة دولية جديدة تتجه نحو إقرار سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية كحلٍّ واقعي وشرعي ومستدام ينسجم مع قرارات مجلس الأمن، خصوصاً القرارات 2602 (2021) و2654 (2022) و2703 (2023)، التي شددت على حلٍّ سياسي قائم على التوافق والواقعية.

وأشار الروداني، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تتبنى رؤية أكثر شمولاً للملف، تُركّز على إطلاق حوار مباشر بين الرباط والجزائر، انطلاقاً من قناعة بأن استمرار النزاع يُعطل دينامية الاستقرار الإقليمي ويُضعف المنظومة الأمنية في شمال إفريقيا والساحل.
وقال الخبير ذاته في هذا الصدد إن هذا التوجه “يلتقي جوهرياً مع الخطاب الملكي السامي لعيد العرش الذي دعا فيه جلالة الملك محمد السادس إلى مفاوضات لا غالب فيها ولا مغلوب، وهي صيغة سيادية تعبّر عن عمق الرؤية المغربية القائمة على المصالحة التاريخية والتنمية كشرطٍ للسلم”.

من الناحية القانونية أوضح الروداني أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تحت السيادة الوطنية تُجسّد تطبيقاً متقدماً لمبدأ تقرير المصير الداخلي المعترف به في الفقه الدستوري الأممي، إذ تمكّن الساكنة المحلية من تدبير شؤونها ضمن وحدة الدولة، بما ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة (المادة 2) ومبدأ وحدة أراضي الدول (القرار 1514).

وفي المقابل قال المتحدث إن الجزائر تُظهر تصلباً متزايداً في مواقفها وتُصر على استعمال جبهة البوليساريو كـ”ذراعٍ إيديولوجية” في صراعها الإستراتيجي مع الغرب والمغرب، رغم أن الدوائر الغربية باتت تنظر إلى النزاع من زاوية أمنية تتعلق بمكافحة التهديدات غير التقليدية في الساحل والصحراء.

وأضاف الخبير أن استمرار الجمود الحالي قد يدفع الولايات المتحدة وعدداً من الدول الأوروبية إلى إعادة قراءة الملف من زاوية أمنية خالصة، أي اعتباره تهديداً للأمن الإقليمي والعابر للحدود، مستشهداً بمشروع القانون الأمريكي الذي يدعو إلى تصنيف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي، استناداً إلى تقارير استخباراتية دولية تؤكد تورط عناصر منها في شبكات تهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وفي تحليله للخطاب الجديد للجبهة حول ما تسميه “اقتسام فاتورة السلام” يرى الروداني أنه لا يعكس انفتاحاً حقيقياً نحو التسوية، بل محاولة رمزية لإعادة التموضع في لحظة تآكل شرعيتها السياسية والعسكرية.

وأوضح الخبير أن هذا الخطاب يستعيد مصطلحات تاريخية من حقبة حركات التحرر في إفريقيا خلال السبعينيات، لكنه في الحالة المغربية يفتقد أي سند قانوني أو سياسي، لأن المغرب لم يحارب كياناً معترفاً به دولياً، بل واجه تنظيماً فاقداً لصفته الدولية.

وواصل المتحدث تحليله بالتأكيد على أن “فاتورة السلام الحقيقية تُسدَّد اليوم عبر مشاريع التنمية والسيادة والاستقرار المغربي، لا عبر شعارات التحرير التي تجاوزها التاريخ”، خاتما بأن “مقترح الحكم الذاتي لم يعد فقط مشروعاً سياسياً، بل أصبح حاجزاً جيو-سياسياً ضد الفوضى في المنطقة، ما يجعل دعم هذا الحلّ استثماراً في أمن واستقرار المنطقة المغاربية والإفريقية ككل”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق